تُفضي النسب الناتجة عن المراكز النسوية والإحصائية داخل فلسطين، إلى ضعف مشاركة المرأة في المراكز القيادية المتقدمة، في شتى مجالات العمل مجتمعيًا.
وقد حصد الرجال نحو ثلاثة أضعاف النساء في نسب الانتخابات المحليّة في فلسطين لعام (2021/2022)، إذ بلغت نسبة النساء اللواتي تم انتخابهنّ وتعينهن نحو 21% مقابل 79% للرجال.
وعلى الرغم من أنّ الإناث يُشكّلن نصف المجتمع بمعدل (49.3%) مقابل الذكور (50.7%) في قطاع غزة تحديدًا؛ إلا أنَّ النساء يُعانين من حصرهن في أدوار نمطية وتقليدية تُقَلِل من دورهن المحوري والرئيس في تنمية المجتمع.
بالنظر إلى الأسباب التي تقف وراء إحجام المرأة عن مراكز صنع القرار الفلسطيني، نجد أنّ هناك قوانين فلسطينية غير منصفة للمرأة، بينما القوانين التي تصبّ في صالح المرأة غير مُطبقة، بحسب حقوقيين.
بالإضافة إلى ذلك فإنّه وعلى الرغم من الانفتاح العصري والتطور العالمي؛ إلا أنّ هناك بُؤَر جغرافية ما زالت متمسكة بعادات وتقاليد اجتماعية تُهمِش المرأة وتحدّ من تأدية أدوار فاعلة، وهو أحد أهمّ الأسباب التي تعيق تولي المرأة مناصب في مراكز صنع القرار.
وبحسبِ إفاداتٍ نقابية فإنّ القانون الأساسي الفلسطيني جاء مساويًّا وحافظًا لحقوق المواطن بشكلٍ عام دون التفريق بين الجنسين، لكن ذكورية المجتمع التي تُتيح الفرص للرجل أضعاف المرأة تؤدي إلى تراجع مشاركة وأداء النساء في الحياة العامة.
تقطن عائشة نبيل (25 عامًا) في إحدى القرى بمحافظة شمال قطاع غزة، وتقول إنّ الموروثات الثقافية في البيئة المحيطة حيث تقطن عائلتها وجذورها، ترفض أي فكرة حول عمل المرأة ومشاركتها في صناعة القرار، حتى مجرد إبداء الرأي داخل المنزل ليس من صلاحيات المرأة، حسب تعبيرها.
وأشارت عائشة إلى أنّ العيش في بيئة يحكمها الرجل دون مشاركة المرأة في أيّة قرارات، انعكس سلبًا على حياتها التعليمية والمهنية وطموحاتها، وتسبب لها بالكثير من الأزمات النفسية.
ينبذ المحيط الجغرافي الذي تعيش فيه الشابة "عائشة"، فكرة مواصلة المرأة تعليمها الجامعي، ويرى في الجامعة مكانًا لاختلاط الجنسين واكتساب ثقافات جديدة وهو ما يرفضه الواقع المجتمعي داخل القرية، وفقًا لعائشة، بالإضافة إلى رفض فكرة العمل خارج القرية إلا بشروط وتضييق في الحركة والوقت.
وتبدو الفتاة غير ناقمة على أسرتها في حديثها عن تجربتها الشخصية لـ "آخر قصّة"، فتقول: "أسرتي مثلي أيضًا هي ضحية لتقاليد المجتمع. كلمة الأخ فيها بمستوى كلمة الأب، فعندما أردت إكمال دراستي الجامعية رفض أخي تعليمي متعللًا بالعادات والوضع الاقتصادي المتردي".
لكن عائشة استطاعت بعد جهود كبيرة إقناع العائلة قبول تعليمها في قسم الدعوة الإسلامية. وعلى الرغم من أن الجامعة كانت وسيلة للخروج عن تقاليد القرية والانفتاح على المجتمع والحياة؛ إلا أنها مع الأسف، حسب تعبيرها، وجدت في هذه الجامعة تقييدات لا تختلف عن تعقيدات القرية.
لم تستلم هذه الفتاة القروية إلى ما أفضت إليه غايتها من تجربتها "البائسة" في التعليم الجامعي؛ فانطلقت نحو الانضمام إلى فرق شبابية ومؤسسات تُعنى بتشغيل النساء داخل القرية؛ ما جعلها تخوض حربًا ضدّ الأفكار الرافضة لحقّ المرأة في العمل.
وتتنافى تلك الأفكار بشكلٍ مطلق مع ما نصّت عليه المادة (25) من القانون الفلسطيني الأساسي المعدل لسنة 2003م، إذ تُشير إلى أنّ "العمل حقّ لكل مواطن وهو واجب وشرف وتسعى السلطة الوطنية إلى توفيره لكل قادر عليه."
على إثر قرارها، تحمّلت عائشة العنف الأسري بكل أشكاله، بما فيها الحبس المنزلي، إلى أن مضت في قرارها لكن بأسلوبٍ فرضته العائلة من القيود على الحركة وتكوين صداقات جديدة وزيارة صديقاتها في البيت والتشديد على فكرة عدم التأخر خارج المنزل وغيرها.
محمد عبد الفتاح (44 عامًا) يحمل أيضًا أفكارًا مُشابهة لما تعيشه عائلة عايشة ومحيطها الجغرافي. ويرفض الرجل رفضًا قاطعًا أن يكون للمرأة دورًا دون المتعارف عليه في الموروثات المجتمعية القديمة التي تحصر المرأة في مهام الزواج والحمل والإنجاب والأعمال المنزلية.
وتزوج عبد الفتاح زوجته في سنٍ مبكرة، كما زوّج ابنته في ذات السنّ تقريبًا، فيما يبرر ذلك بقوله: "إذا أكملت الفتاة تعليمها وتعرفت على ثقافات جديدة، ستتمرد على الرجل حتى لو كان أبيها".
ويشير الرجل الذي يقطن في أحد مخيمات قطاع غزة إلى رفضه أن تتقلّد زوجته أو ابنته مراكز سياسية، أو أن يكون لها ظهورًا واسمًا بين الناس بشكلٍ عام، فالمرأة ميدانها بيتها فقط، حسب تعبيره.
أما حول فكرة التشاركية في نفقات المنزل في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة وارتفاع منسوب الفقر والبطالة والغلاء المعيشي العالمي، يُشدّد عبد الفتاح على أنّ هذه المصاريف من مسؤولية الرجل وحده.
وعلى النقيض تمامًا، استطاعت بعض النساء الوصول إلى مراكز قيادية متقدمة داخل قطاع غزة، بدعمٍ من أسرهن لا سيما آبائهن الذين منحوهن حقوقهن كاملة في التعليم والعمل وتقلّد المراكز العليا.
سجود أحمد (28 عامًا) كانت لها تجربة مختلفة، إذ حظيت وأخواتها باهتمام والدهن، ومساعدته إياهن في الوصول إلى أعلى الدرجات العلمية، ومساندتهن في الانخراط بالأعمال السياسية والمجتمعية التي تزيد وعيهن.
وقالت الفتاة التي أبدت رضاها عن عائلتها: "يهتم والدي بيّ كثيرا، ويدعمني في كافة الاتجاهات، فقد حصلت مؤخرًا على درجة الماجستير في القانون، وسأسافر قريبًا إلى مصر لدراسة الدكتوراه. وكثيرًا ما يحثني على الانخراط في المراكز القيادية ومنها المشاركة في الانتخابات النقابية".
غير أنّه يصعُب تعميم هذه التجربة، إذ لا تزال مشاركة النساء في مواقع صنع القرار محدودة ومتواضعة مقارنة مع الرجال في فلسطين، إذ أظهرت بيانات انبثقت عن عام 2021، أنّ نسبة النساء من أعضاء المجلس المركزي تشكل حوالي 23%، و19% من أعضاء المجلس الوطني، فيما شَغلت النساء ما نسبته 12% من أعضاء مجلس الوزراء.
بدورها، عزت عضو نقابة المحامين الفلسطينيين في قطاع غزة، المستشارة رنا الحداد، الضعف في نسب تمثيل النساء للمراكز القيادية إلى عدم توعية المرأة حول حقوقها الأساسية والمكتسبة باعتباره واجبًا وطنيًا يقع على عاتق الدولة في الأساس، التي من شأنها تطوير ودعم وتمكين المرأة اجتماعيًا واقتصاديًا.
وقالت الحداد في حديثٍ لـ "آخر قصّة" إن الحلّ لتنمية المرأة كشريك، يأتي من خلال وجوب تمثيلها في المناصب القيادية والعامة، وسَنّ قوانين جديدة حامية وداعمة لها توائم تطور مجريات الحياة، وتُمكّن المرأة اقتصاديًا وحمايتها قانونيًا.
وبالرغم من تعديل العديد من القوانين القديمة التي لم تُنصف المرأة، وصدور مرسوم رئاسي يقضي بتمثيل المرأة في جميع الجوانب بنسبة 30%، إلا أن ذلك لم يطبّق بشكلٍ كامل، وفقًا للحداد، التي أشارت إلى أنّه تم الأخذ به وتحقق تمثيل للنساء في المشاركة السياسية والحياة العامة بما يُقارب 15% فقط.
اتفق مدير الشؤون القانونية في المجلس التشريعي في قطاع غزة أمجد الآغا في حديثه لـ"آخر قصّة"، مع ما أشارت إليه الحداد بوجود قوانين قديمة تعود للعهد العثماني، مبينًا أن ذلك فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية. أما ما يتعلق بالقوانين الخاصة بالمرأة فقد أقرّ المجلس عام 1996 قوانين خاصة في مجالات العمل والتقاعد والحماية الجزائية للمرأة.
وتقاطع ما أشارت إليه الحداد مع ما أقرّ به الآغا، حول وجود ضرورة إجراء تعديلات على بعض القوانين لتوائم التطورات في المجتمع، وقال: "هناك حزمة قوانين بحاجة إلى مراجعة وتنقيح لتتلاءم مع تطورات الحياة، لكن هناك قوانين صالحة ليومنا وقابلة للتطبيق بما يخصّ المرأة وتمكينها مثل قوانين الانتخابات التي تمنح كوتة للمرأة، تتيح لها الدخول في كافة الانتخابات بقوة والمجالس النيابية والهيئات المحلية".
وتحتاج المرأة الفلسطينية إلى سنّ قوانين في مجالات عديدة، وفقًا للآغا، ومنها ما هو على المستوى الاجتماعي كتشريعات خاصّة في العمل والتنمية. وعلى المستوى الجزائي أيضّا للحماية من العنف بأشكاله، وكذلك على المستوى الإداري وتوظيف المرأة وتبوئها المناصب والكثير من المجالات بحاجة لتدخل ومراجعات.
غير أنّ الآغا أشار إلى أنَّ الإشكالية ليست في القوانين إذ أنَّ هناك نصوصًا تسعف المرأة وتدعمها في تبوء المناصب العليا خاصة في القانون الأساسي وقوانين البرلمانات والمناصب السياسية والقضائية، حسب قوله.
أما المشكلة فتكمن وفق رأيه في الثقافة المجتمعية، إذ يوجد عزوف عن تقلد المرأة بعض المناصب.
واستدرك قائلًا: "لكن هذه المسألة آخذة بالتطور نحو مشاركة المرأة بفعالية، كما يوجد لدينا قاضيات وعضوات في التشريعي ومجالس البلديات، لكن المرأة بشكلٍ عام بحاجة لحشد ومناصرة لتعزيز دورها".
وبجانب الثقافة المجتمعية ذكر الأغا سبب مهم وراء إحجام مشاركة المرأة في المراكز القيادية مجتمعيًا، وهي تعثر تنفيذ معظم النصوص القانونية الداعمة للمرأة، وإغفال بعض النصوص على المستوى العملي والتطبيقي.
وقال مدير الشؤون القانونية في المجلس التشريعي، إن هناك حاجة لمراجعة آليات التطبيق على أرض الواقع وتحديث المنظومة التشريعية أينما وجدت لمعالجة أي نقص وقصور.
وأكّد الآغا في حديثه على أن المجلس التشريعي يقوم بجهود لتحديث التشريعات الخاصة بالمرأة، ومنها ما أقرّه مؤخرًا وهو قانون التنفيذ الشرعي الذي يصب أغلبه لصالح المرأة، وهو متاح وساري المفعول، كما أشار.
وحول الدور الرقابي للمجلس التشريعي ومدى فعاليته لضمان تطبيق فاعل لقوانين المرأة على أرض الواقع، أفاد بأنّ هناك نصوص يتم متابعة تطبيقها مع الجهات ذات العلاقة مثل ديوان الموظفين لعمل المرأة، ووزارة العمل فيما يتعلق بتحسين بيئة عمل المرأة، لكنه لم يوضح ماهية هذه النصوص.
تنمية حقوق المرأة