وسطَ كرُوم العِنب وتَحت عَرائشه يجلسُ العمّ السبعيني أبو مَاجد شمالة على كراسٍ خَشبية وضَعها تَحت ظِلال أشجَار العِنب في منطِقَة الشَيخ عِجلين جنوب غربَ مدينةِ غزة، يشكو قِلّة مَحصولها وضَعفِه هذا العَام، إلى ما يَصلّ لـ 1.5 طنّ مقارنةً بخمسة أطنانٍ جَناها في العَامِ المَاضي.
ويَتنقل المُزارع شَمالة بين أشجَار العِنب، من الزراقي، الدابوقي، القريشي، إلى الزيتاني وغيرهم، فيما تُعدّ مَحاصيل هذه الأشجار هي مَصدر دَخلِه السنوي الوحيد، هو وعائلتهِ المُمتدة التي تَوارثت كروم العِنب جيلًا بعد جيل.
اليوم يَضطر الرجل إلى بيعِ محصوله الشَحيح بأسعارٍ مرتفعة تصِل إلى 8 شَواكل للكيلوجرام الواحِد، وذلك بعدمَا دفَع مبالغ مُضاعفة على شراء المُبيدات الحشرية خلال العام، وخسِر نَحو ثلاثَة أضْعاف الأرباح مِن المنتوج، حسبما قال.
وقد انخفض إنتاج العِنب في قطاع غزة بشكلٍ عام بنوعيه "العنب البذري واللابذري"؛ نتيجة للتغيّيرات المُناخية التي عصَفت بالعالم، وفقًا لما أفاد به مُختَصون في المَجال الزراعيّ.
مِن جِهته، قال مدير دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة محمد أبو عودة، إنّ إنتاجية مَحصول العِنب للعام الحالي 2023، انخفَضَت بمعدّل 60% مقارنةً بإنتاجِ العام المنصرم؛ الأمر الذي يُهدِّد الأمن الغذائي في القطاع.
وصَنف أبو عودة فاكهة العِنب كواحدة من ضِمن أربعة محاصيل أخرى رئيسية تُنتَج خلال فصل الصيف في قطاعِ غزة، على مساحة سبعة آلاف دونم، ستة منها مثمرة، ويعمل فيها ما يزيد عن ألف مزارع.
ويؤدي ضَعف الإنتاج مِن هذا المَحصول الاستراتيجي إلى نقص الكمية المعروضة محليًا؛ مما يعني صعوبة حصول السكان على كميات كافية من العنب لتلبية احتياجاتهم الغذائية، إلى جانب ارتفاع الأسعار الكبير فالأسرة التي تبتاع في العادة 3-4 كيلوجرام بالكادّ تستطيع شراء كيلوجرام واحد، لصعوبة تحمُّل تكاليف شرائه.
وهذا بطبيعة الحال يُعقد على ما نسبته أكثر من 80% من سكان القطاع الذين يعيشون على المساعدات الإنسانية وفق تقديرات منظمات دولية، شراء هذا النوع من الفاكهة الذي يتجاوز سعرها (2 دولار للكيلو الواحد).
من هؤلاء، السيّدة الخمسينية نجوى رجب التي تُعيل 4 من الأبناء، بعد وفاة والدهم بمرضٍ عضال قبل نحو 9 أعوام، تقول رجب: "كل شيء ارتفع ثمنه، كل الفواكه غالية الثمن في السوق، لم نشترِ هذا العام العنب أبدًا، لقد ارتفع ثمنه ثلاثة أضعاف عن السنة الماضية".
تعتاش رجب وأسرتها على المخصصات المالية التي تُفردها وزارة التنمية الاجتماعية للأسر محدودة الدخل أو ما يُسمى بـ "شيك الشؤون الاجتماعية" الذي يحصلون عليه في العام مرتين أو ثلاث فقط، وتبقى مساعدات المؤسسات الخيرية و"أهل الخير" التي بالكادّ تسدّ رمق الأولاد هي ما يُعيلهم في معظم الأحيان.
رجب هي واحدة من 116 ألف أسرة في قطاع غزة تستفيد من مخصصات وزارة التنمية، وتعاني ضعف تأمين احتياجاتها الأساسية، وغيرها أسر كثيرة في القطاع تعاني ظروف اقتصادية صَعبة بفعل العوامل الناتجة عن الحصار والاحتلال الإسرائيلي؛ الأمر الذي يتسبب في صعوبة تأمين هذه الأسر الفاكهة مرتفعة الثمن لأبنائها.
إضافةً إلى ذلك يؤثر ضعف الإنتاج من محصول العنب بشكلٍ عام على اقتصاد قطاع غزة باعتباره مصدر دخل رئيسي للمزارعين والعمال المشتغلين في زراعة العنب، لذلك؛ فإنّ انخفاض الإنتاج قد يتسبب في فقدان فرص العمل وتراجع الدخل في المنطقة بشكلٍ عام، كما قد يضطر الأمر إلى استيراد كميّات إضافية من الخارج وهو ما يتسبب بتكاليف مرهقة وعراقيل في توفير العنب بشكلٍ مستدام.
ويفند أبو عودة، أسباب تراجع إنتاج العنب، والتي في مقدمتها سوء الأحوال الجويّة في فترة الإزهار خلال فصل الربيع، وارتفاع درجات الحرارة مع بدء فصل الصيف؛ الأمر الذي تسبَبَ بجفاف أغصَان المحصول وتساقط عناقيده.
نتيجةً لذلك، يُرجح أن يصل إنتاج العِنب في موسم العام الحالي إلى 4 آلاف طن من مختلف الأصناف، بينما وصلَ حصاد العام الماضي منه إلى 8 آلاف طن طوال فترة الموسم، إذ يستمر عرضه في الأسواق لعدّة شهور تعود إلى فترة إنتاج الطويلة الممتدة من شهر أيار/ مايو، حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر.
في ظلّ هذه الظروف، نصح خبراء اقتصاد بضرورة اتخاذ إجراءات مهمة لتحسين إنتاج محصول العنب والتخفيف من حدّة الخسائر الواقعة سواء على المزارعين أو السوق عامّةً، أهمها، إدخال أصناف جديدة من العنب إلى قطاع غزة تتكيف مع تغيرات الطقس والتربة وملوحة المياه، إضافة إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في زراعة الأصناف الجديدة من العنب.
كما يُنصح لحماية الأمن الغذائي في هذه الحالات، أن يركز المهندسون الزراعيون والمختصون في مجال الزراعة، على تكنولوجيا التغذية الغذائية للزراعة والفيزيولوجية الحيوية وتوفير الدعم للمزارعين لتحسين إنتاجهم.
ضعف إنتاج محصول العنب