لطالما كانت الأسرة بيئة مُؤثرة في تكوين القيم والعلاقات بين الأفراد؛ إلا أنّ التمييز بين الأخوة داخل الأسرة الواحدة بسبب عوامل مثل الشكل، اللون، الجنس، المستوى التعليمي وغيرها، قد يُؤثر على العلاقات الأسرية، فيُخلّ بتوازنها النفسي ويخلق العداوة بين الإخوة.
وقد يؤدي التمييز بناءً على اللون أو الشكل، وفقًا لتقييم مختصين نفسيين، إلى شعور الأخوة بعدم القبول. وعلى الرغم من أنَّ الإنسان لا يُقاس بلون بشرته؛ بل بقيمه وأفعاله، نجد أن هناك الكثير من أشكال التمييز الحاصلة في مجتمعنا بسبب لون البشرة، وهو ناتج عن ثقافة وموروثات اجتماعية قديمة تُفضِل ذوات البشرة البيضاء (الفاتحة) على غيرهم.
أيضًا، يواجه الأبناء داخل الأسرة الواحدة تمييزًا بناءً على نوعهم الاجتماعي أو مستواهم التعليمي، وهو ما يُمكِنه التسبُب بتعزيز الصور النمطية للأدوار الجنسية التقليدية التي تحدّ من التوازن المجتمعي، وتقف حائلاً أمام تحقيق العدالة الاجتماعية، حسب إفادة مختصين، إضافة إلى تسبب التمييز نتيجة المستوى التعليمي بانعدام التقدير والدعم، التنافس السلبي، وانعدام الثقة؛ الأمر الذي يؤدي إلى خلق أجواء تربوية غير صحية وغير متكافئة.
سها سمير أم لديها خمسة من الأبناء، ثلاثة ذكور وفتاتين. تقول إنها لم تستطع السيطرة على منع التمييز بين الجنسين في أسرتها، خاصّة أن زوجها يميل للذكور أكثر من الإناث؛ متأثرًا بنظرة أمه وعائلته.
وعلى الرغم من محاولات السيدة نصح زوجها والحديث معه حول ضرورة التوازن في التعامل بين الأبناء وعدم التمييز بينهم والعدل في مشاعرهم وسلوكياته تجاههم؛ غير أنّ ذلك كله لم يُجدِ نفعًا ولم يُغيِّر في أفعاله شيء، وهو ما ترتب عليه علاقات فاترة بينهم وبين أبيهم وكذلك بينهم وبين إخوانهم الذكور، إلى جانب اشتعال الغيرة دومًا.
تضيف سها في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "حاولت مراراً نبذ أسلوب التفرقة بين أبنائي الذكور والإناث؛ لكن زوجي متأثرًا جداً بعائلته التي تفضل الذكور وتحتفل بقدومهم أكثر من الأنثى. لذلك أحاول أنا بطريقتي أن أخلق توازنًا حتى وإن كان غير مجدي تمامًا. ومنه مثلا أنني أعمل على تلبية رغبات بناتي بالدلال والحب حتى لا يشعرن بالنقص".
ووصف أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى بغزة فضل أبو هين، التمييز بين الأبناء بأنه الفعل الأخطر على الحياة النفسية، وقال إن شعور الظلم الذي يراود الطفل وهو يلاحظ تمييز والديه بينه وبين إخوته سيبقى عالقًا معه.
ويبدو أن ايمان عدنان أدركت ذلك مُبكرًا، عندما لاحظت أن أطفالها يتعرضون للمقارنة المستمرة من قبل بعض الأفراد في العائلة؛ وذلك بسبب الاختلافات بينهم.
يحظى ابنها الأكبر بمكانة مقربة من جده وجدته لأبيه لامتلاكه مقومات الجمال الاجتماعية، إضافة إلى كونه الحفيد الأول للعائلة، أما أخوه الثاني فهو أقصر قليلًا، والثالث يتمتع ببشرة "قمحية" إلى سمراء قليلًا.
وعلى الرغم من تمتع كليهما بجمالٍ خاص غير أنهما لا يحظيان بنفس درجة الاهتمام التي ينالها أخيهم الأكبر؛ ما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم سلبًا والتي يعززها المدح الدائم لأخيهم دونهم.
رغبت إيمان كثيرًا في تعزيز الاختلافات بين أبنائها بشكلٍ إيجابي، إلا أنّها شعرت بالضعف أمام تمييز الأشخاص المقربين لا سيما كبار السن منهم، وشعورها بالحرج في مراجعتهم أو إيقافهم عن تصرفهم؛ لكنها قررت أن تؤدي ذلك الدور بنفسها.
سعت السيدة إلى ذلك نتيجة تعرضها وزوجها منذ طفولتهما لأنواع من التنمر والمقارنات السلبية، التي أثرت بدورها على حياتهم، توضح: "تعرضت للتنمر بسبب وجود هالات سوداء وراثية تحت عيني وهي لا دخل لها بالعناية أو الإرهاق"؛ لذلك قرر الزوجان أن يتوقف هذا الفعل الذي يتعرض له أبنائهم عندهم وألا ينتقل إلى أطفالهم أيضًا فأصبحوا يعززون في كلٍ منهم مهاراته الجيدة وأفعاله الصحيحة ويقوِّمون أخطائهم دون مقارنات بينهم.
لم يتوقف الأمر هناك بل امتد إلى الكثير من الأحاديث التي عمد الزوجان إلى إجرائها مع أطفالهم، فأخبروهم أنَّ الجمال ليس مقياسًا للقيمة الحقيقية للإنسان، وأن الاختلافات بينهم تجعلهم أشخاصًا فريدين ومميزين. وقدموا لهم أمثلة واقعية لشخصيات مشهورة تمتلك مواهب وإنجازات مختلفة فأثبتت لهم أن الاختلاف يُعزِز التنوع ويثري الحياة وليس العكس".
وهو تمامًا ما أشار إليه المختص النفسي أبو هين، بضرورة قيام الآباء بفتح جلسات للحديث مع أبنائهم يوميًا حتى لو كان لنصف ساعة فقط في اليوم. مع التأكيد على أهمية أن تكون الأحاديث دون حواجز أو حدود، ودون تأنيب أو معاقبة، فتكون جلسات مصارحة وأحاديث ودية ملأى بالثقة بين الطرفين.
بالتأكيد سيكون لهذه الجلسات عظيم الأثر على الأبناء، وفقًا لأبو هين، الذي أكد على أنّ الأحاديث الهادئة بين الآباء وأبنائهم يكون لها نتائج إيجابية في تغيير سلوكيات الطفل العنيد، وكثير الشكوى والعدواني وغيرهم، والتي بدورها ستحول العلاقة إلى صداقة فتذوب الحواجز ويتولد أطفال يتمتعون بثقة عالية بأنفسهم.
كان ذلك ما قامت به إيمان وزوجها ومع مرور الوقت بدأت تظهر تغييرات إيجابية على سلوكيات أطفالها، اكتشفوا مهاراتهم الفردية وأصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم وقبولاً للآخرين، وإدراكًا للقيم الحقيقية للإنسان التي تتجاوز المظاهر الخارجية وتُعزِز روابط المحبة والاحترام.
وهو أيضًا ما أشار إليه المختص النفسي أبو هين في حديثه عن خطورة التمييز بين الأبناء في إطار العائلة الواحدة، وقال: "الأم والأب هما مصدر الأمان للطفل قبل خروجه للعالم الواسع"، منبهًا إلى أن الآباء الذين يُميزون بين أبنائهم اليوم سيحصدون نتاج ذلك عدوانية وكراهية بين الأبناء في المستقبل القريب.
ونصح أبو هين الآباء والأمهات باستخدام أسلوب التعزيز وفقًا للعمل والمكافأة للمُصيب الذي يتصرف بشكلٍ أفضل، وكذلك توجيه المُسيء منهم. وهو ما يأتي تحت إطار الأفعال وليس المشاعر، وأضاف: "المشكلة تكمن عندما يحصل التمييز وفقًا للمشاعر أو الشكل الظاهري التي لا علاقة للطفل فيها، أما التعزيز للمُصيب يساعد في خلق روح تنافسية جيدة بين الأبناء ويُحسِّن سلوكهم".
غير أنّ العديد من الأطفال قد يتعرضون للتنمر من البيئة المحيطة، وحول ذلك أشار أبو هين إلى ضرورة تعزيز مفاهيم الثقة والاختلاف والتميز بين الأبناء من قبل آبائهم، وهو ما سيؤدي تلقائيًا إلى حمايتهم من البيئة الخارجية لأن الأبناء يتوجهون للأهل بكل ثقة لإخبارهم بما يمرون به؛ لذلك يبقى الآباء مصدر المعلومة والتقييم الأول لأبنائهم دون خوف من تأثرهم بالخارج.