هل زادت وتيرة العنف الداخلي و انتهاك سيادة القانون؟  

هل زادت وتيرة العنف الداخلي و انتهاك سيادة القانون؟  

من حينٍ لآخر تظهر مشكلات داخلية في مجتمع قطاع غزة، تُشكِّل أحد مظاهر العنف الداخلي في القطاع وواحدة من طرق انتهاك سيادة القانون وأخذه باليد، التي بلا شك تُهدد أمن المجتمع وترابطه وتعاضده ونسيجه.

تتنوع أنماط هذه المشكلات فيما هي تتصاعد تارةً وتخفت تارةً أخرى، ومنها الانفجارات الداخلية، الشجارات العائلية، العبث بالأسلحة والأجسام المشبوهة، وما يتسبب به من مسّ بالسلامة الجسدية والشخصية وصولًا إلى وقوع وفيات وإصابات وتضرر منازل وبيوت، إلى جانب الاعتقال التعسفي، انتهاك الحق في التجمع السلمي، الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي، والاعتداء على الصحافيين.

وقدّر مختصون، أسبابًا تقف وراء تلك الانتهاكات، أهمها الوضع السياسي المُعقد وما تشهده من المنطقة من صراعات وعدوانات متكررة، إضافة إلى استمرار الحصار منذ 17 عامًا وتضاعُف تداعياته ومنها تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلي الفقر والبطالة، إلى جانب ضعف الأجهزة الرقابية، الأمر الذي يُضيّق الخناق على الناس ويدفعهم لارتكاب أعمال غير أخلاقية، ويهدد استقرار المجتمع عامةً. 

تعرّضَ (محمد. ج) البالغ من العمر (17) عامًا لإصابةٍ خطيرة اخترقت كتفه واستقرت في الصدر، خلال تبادل لإطلاق نار بين عائلتين في مدينة غزة؛ الأمر الذي تطلب متابعة طبية وعلاجية استمرت لفترات طويلة ومتتالية.  

وفي التفاصيل، يقول أحد الجيران: "إن العائلتان متجاورتان ودائمًا ما تنشب بينهم مشاكل على ملكية مترين تفصل بينهما"، غير أنّ وتيرة تلك المشاكل ازدادت حدّة بعدما أصبحوا يرفعون السلاح على بعضهم؛ ما تسبب في إصابة الفتى إصابة بالغة واثنان آخران إصابات طفيفة.

الإصابات واحدة من الآثار المترتبة على هذه المشكلات العائلية، وقد رصد مركز الميزان لحقوق الإنسان، في تقرير حول الانتهاكات الداخلية خلال النصف الأول من العام الحالي 2023، وقوع (45) حادثًا توزعت من يناير حتى يونيو. نتج عنهم وقوع (101) إصابة إلى جانب وفاة (19) شخصًا، وتضرر ثماني منازل.

  

وتعطلت حياة الكثير من المواطنين جراء النزاعات الأسرية، الثلاثينية (فاطمة. س) واحدة من أولئك الذين فقدوا النطق لشهور متتالية وظلّت تعاني آثارًا نفسية لفترة طويلة من جراء حادثٍ عرضي عرض حياتها للخطر. 

في تفاصيل القصة، كان زوج فاطمة يقوم بتنظيف سلاحه داخل البيت ظنًا منه أنه فارغ من الطلقات، فيما خرجت طلقة عالقة فجأة وأصابت الجدار الذي كانت تسند السيدة فاطمة رأسها عليه.

صحيح أن فاطمة نجت من الإصابة الجسدية المباشرة، لكنها لم تنجُ من صدمة نفسية، أدت لفقدان النطق نتيجة الخوف الشديد والفزع الذي أصابها أثناء الحادثة.

تتوالى الحوادث من حينٍ لآخر ومنها ما يبقى عالق لسنوات بسبب الثأر وغيره، ومنها ما ينتج عنه تشتت عائلات وتهجيرها قسرًا بعد تضرر منازلها، سواء كان نتيجة شجار عائلي التي قدرت بـ (13 حادثة) خلال الستة شهور السابقة، أو نزاع على ملكية، أو صراع على نفوذ، أو عبث بالأسلحة والمواد المتفجرة التي بلغت (4 حوادث) خلال المدة ذاتها.

 

لكن ربما يبقى الأشد وطئًا فيما تتسبب به تلك الحوادث هو أن يخسر أحدهم حياته مُخلِّفًا وراءه زوجة وأبناء يتجرعون ويلات الفقد والحرمان. إحدى أولئك هي (كريمة. م) التي فقدت زوجها وهي في سنّ الثامنة والعشرين، ووقع الرجل ضحية لانفجارٍ داخلي لجسمٍ مشبوه، بعد انقضاء العدوان الإسرائيلي 2021، فيما تلقت الشابة الخبر وهي تلد طفلها الثاني بينما كان طفلها الأول لم يتجاوز العامين في حينها. 

ويُقَدِّم تقرير مركز الميزان عدّة خلفيات للانفجارات الداخلية في قطاع غزة لهذا العام، سواء كان على خلفية انتقامية أو نتيجة لأعمال تدريب، أو انفجارات ناتجة عن خلل، أو سوء استخدام وتخزين الأجسام المتفجرة، أو العبث بها. ورصد وقوع (18) حادثة انفجار لأجسام مشبوهة، إضافة إلى حادثة تدريب، وحادثة عبث بالسلاح وغيرها. نتج عنها وفيتان من الأطفال، وعدة إصابات في صفوفهم وصفوف النساء.

لم تقف أشكال الانتهاكات لسيادة القانون داخل قطاع غزة، عند الشجارات العائلية والانفجارات الداخلية أو انفجار الأجسام المشبوهة، بل امتدت أيضًا لانتهاك الحق في إقامة لقاءات وأنشطة في قاعات مغلقة، ومنه التجمع السلمي، إذ تشترط الحكومة الحصول على تصريح مسبق للسماح لأي تجمع سلمي بالانعقاد وهو ما لا يتفق مع النص القانوني في قانون رقم (12) لسنة 1998 بشأن الاجتماعات العامّة.

بالإضافة إلى وفاة موقوفون داخل السجون التي بالطبع تتطلب التحقيق في ملابساتها للوقوف على أسباب الوفاة. أيضًا شملت الانتهاكات القانونية، الاعتقالات والاستدعاءات على خلفية المشاركة عبر منصات التواصل الاجتماعي أو على خلفية الانتماء السياسي من مختلفة محافظات قطاع غزة. 

وهو ما استدعى مطالبة مركز الميزان الحقوقي باتخاذ التدابير التي تضمن احترام القانون ومحدداته، وتعزز مبدأ سيادته، وتحمي حقوق المواطنين في حرية الرأي والتعبير وتعزز التجمع السلمي وتشكيل الجمعيات الأهلية، بما يضمن مبدأي الشفافية والمساءلة ويحقق التوازن بين حقوق الأفراد والمصالح العامة والأمن الوطني.

ودعا المركز المتخصص في حقوق الإنسان إلى ضرورة العمل على ضبط استخدام الأسلحة الصغيرة والحدّ من انتشارها، والقضاء على مظاهر سوء استخدام السلاح، ومنع تخزين الأسلحة والمتفجرات في المناطق المكتظة بالسكان؛ وذلك للحفاظ على حياة المدنيين الآمنين.

وأوصى باحثون إلى ضرورة الأخذ بالمطالبات الحقوقية تجنبًا إلى استشراء العنف الداخلي في القطاع وما يتسبب به من آثار اجتماعية فادحة، منها انخراط الشباب في سلوكيات سلبية غير قانونية، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالسلطات على اعتبار أن البعض ما يزال يؤمن أن بجدوى أخذ الحق باليد والعشائرية بعيدًا عن السلطات التي لا تحمي حقوقهم ولا تحقق العدالة، حسب وجهة نظرهم.

أيَضًا قد يؤدي تفشي مظاهر سيادة انتهاك القانون إلى انتشار العنف والجريمة في أوساط المجتمع؛ مما يؤثر على الأمان والسلامة العامة، إلى جانب تدهور الحوار والتعاون الاجتماعي نتيجة انعدام الثقة والاستقرار الاجتماعي الذي يزيد الانقسامات والتوترات بين الأفراد في المجتمع.