تدوير البلاستيك: مبادرات لا تَجِد مساندة حكومية!

تدوير البلاستيك: مبادرات لا تَجِد مساندة حكومية!

في خطوةٍ مهمة نحو الحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة، يشهد قطاع غزة تناميًا في المبادرات الفردية لإعادة تدوير البلاستيك، غير أن تلك المبادرات لا تحظى بفرص المساندة الحكومية أو توفير الحد الأدنى من المتطلبات المالية لضمان ديمومتها واستمراريتها.

وبشكلٍ أو بآخر، تخفف مبادرات إعادة تدوير البلاستيك عبئًا كبيرا عن كاهل المؤسسة الرسمية من خلال مساعدتها في التخلص من كم كبير من النفيات، وبخاصة النفايات الصلبة والتي تعد الأكثر خطورة. وهي بالمناسبة تشكل ما نسبته 14% من مجمل المخلفات في قطاع غزة، وفق لبيانات حكومية.

مشروع "الورشة الخضراء" واحدة من تلك المبادرات التي تهدف إلى حماية البيئة من خلال  جمع مخلّفات البلاستيك، إذ يعمل فريق المبادرة على تحويل النفايات البلاستيكية إلى فرص للاستدامة، إلى جانب تعزيز الوعي البيئي وتمكين النساء على وجه الخصوص في المجتمع وتوفير فرص عمل لهن.

ويركز المشروع على ثلاثة جوانب مهمة، يبدأ الأول منها بدراسة احتياجات إعادة تدوير البلاستيك والنتائج المتوقعة والصعوبات التي قد تواجهها، أما الثاني فيُركز على توعية النساء بمشكلة النفايات الصلبة وأهمية إعادة تدوير البلاستيك لمواجهة تغيرات المناخ وتأثيراته السلبية.

أما الجانب الأخير من مشروع "الورشة الخضراء" فيتعلق بتطبيق النتائج التي جرى التوصل إليها وذلك على سكان المنطقة الجغرافية المستهدفة وهي مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

وعن التفاصيل والإجراءات المُتبَعة خلال تلك العملية، تقول مديرة المشروع المهندسة البيئية ولاء أبو طير، لـ "آخر قصّة"، إنَّ "الورشة الخضراء" يتمحور حول إنشاء ورشة لجرش البلاستيك واستخدامه كمادة خام أوليّة في الصناعات البلاستيكية.

تتمثل الخطوات في جمع كميات كبيرة من البلاستيك من كل مكان في قطاع غزة، ووزنه، وتنظيفه، وفرزه حسب اللون، ومن ثم تقطيعه وجرشه. ولدواعي النظافة والأمان يقوم فريق العمل بغسله جيدًا وتجفيفه وتعبئته، ليصبح المنتج النهائي وهو البلاستيك المجروش الذي يُتابع رحلته للمصانع المختصة بإدخاله في الصناعات المختلفة.

وتهدف أبو طير من خلال مشروعها إلى إيجاد حلول مُستدامة للتحدّيات البيئية. وأثناء إعداد دراسة جدوى المشروع أدركت أنّ الفكرة لا تقدم فائدة بيئية فقط؛ بل تُعد مصدرًا مُستدَامًا للدخل في ظلّ تفشي معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة؛ ما حفزّها إلى تحويل الفكرة إلى واقع عمل ملموس.

اليوم، أصبح هذا المشروع واقعًا من خلال استهدافه (302) امرأة موزعات على فئتين، الأولى تشمل النساء المُهمشات في المناطق الوسطى والجنوبية من قطاع غزة مثل دير البلح وخانيونس ورفح، اللواتي تشجعن على جمع البلاستيك مقابل مكافأة مادية، وذلك بعد توعيتهن بأضراره وتأثيراته.

أما الفئة الثانية من هؤلاء النساء فتتكون من خريجات جامعيات عاطلات عن العمل، ويتلخص دورهن في الإشراف على مراحل العمل داخل ورشة إعادة تدوير البلاستيك، وذلك بعد تدريبهن عبر مراحل متعددة. وهكذا يساعد هذا المشروع في توفير فرص عمل لكسب الدخل وتعزيز الأدوار المجتمعية.

ويُشير مختصون عالميون في مجال البيئة والاقتصاد، إلى أهمية إعادة تدوير البلاستيك على عدّة مستويات، منها حماية البيئة في ظلّ أنّ البلاستيك من المواد التي تتطلب مئات السنين لتفككها بالطبيعة، وبالتالي قد يتسبب تراكمه الكبير في إحداث تلوث بيئي خطير.

أما المستوى الثاني فهو تحسين الصحة العامة، إذ يُقلل التخلص الآمن من النفايات البلاستيكية من انتشار الأمراض والحشرات والقوارض. إلى جانب ذلك، توفر هذه المشاريع فرص عمل للمجتمع المحلي، وتعمل على تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية المحدودة في قطاع غزة.

بالإضافة إلى أن مبادرات إعادة تدوير البلاستيك تساهم في التوعية بالمسؤولية البيئية وتعززها، من خلال توعية السكان في القطاع بأهمية المحافظة على البيئة والتحرك نحو استخدام مواد قابلة لإعادة التدوير والتقليل من استخدام المواد البلاستيكية القابلة للتلوث.

مع ذلك، يتطلب نجاح مبادرات إعادة تدوير البلاستيك، دعم الحكومة وتشجيعها للمبادرات الفردية، وتبني سياسات وتشريعات داعمة، وتوفير البنية التحتية والموارد المالية لتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية في المجتمع، وذلك في سبيل تحقيق فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية طويلة الأمد للمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.

لكن أصحاب هذه المبادرات أفادوا أنّهم لم يتلقوا دعمًا حكوميًا بأيّ شكل من الأشكال، فعلى غرار الهدف العام من مشروع "الورشة الخضراء"، أنشئ سياف سمارة من مدينة غزة، مشروعًا فرديًا لإعادة تدوير البلاستيك، قبل بضع سنوات وأقام بجهده الفردي مصنع خاصّ للمشروع يُشغِّل فيه أحد عشرَ عاملاً.

يقول سمارة في حديثٍ لـ "آخر قصّة" إنّه لم يحصل على دعم حكومي لمشروعه، ومع ذلك ظلَّ محافظًا على فكرته والعمل عليها على الرغم من كل التحديّات التي مرّت في طريقه لقناعته بأهمية الدور البيئي الذي يلعبه مشروعه في التخلّص من النفايات الصلبّة، إلى جانب إعالة المشروع لأسرته والعاملين معه فيه.

يعمل مصنع سمارة من خلال استقبال كميات كبيرة من البلاستيك، تمر بمراحل فرز متعددة، وذلك وفقًا للنوع، واللون، والصلابة. وبعد ذلك يجري جرسه وغسله وتوزيعه للمصانع المعنية بنفس الطريقة التي يتبعها مشروع "الورشة الخضراء".

يروي سمارة واحدة من أهم التحديّات التي وقفت في طريق استمرارية مشروع البلاستيك الخاصّ به، وهو تعرض مصنعه للقصف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال تصعيدٍ سابق؛ ما أدى إلى توقف عمله مدّة عام ونصف.

بعد مرور تلك الفترة، استطاع سمارة الحصول على قرض من إحدى المؤسسات غير الحكومية المعنيّة بالحفاظ على البيئة، وعاود العمل من جديد ولكن بالحدّ الأدنى من الطاقة التشغيلية.

وعلى الرغم من أهمية الدور البيئي والاقتصادي الذي يلعبه مصنع سمارة في قطاع غزة، لكنّه يخشى التوقف عن العمل نتيجة الظروف غير المستقرة في المنطقة، ويقول إنّه لم يحدث بينه وبين الجهات الحكومية ممثلة بالبلديات ووزارة الحكم المحلي وغيرها أيّة تواصل بغرض دعم المشروع على الرغم من الصعوبات التي يمر بها.

بدورها، توجهت "آخر قصّة" إلى مدير دائرة النفايات الصلبة والصرف الصحي في سلطة المياه وجودة البيئة أحمد المناعمة، للتعرّف على دورهم تجاه المبادرات الفردية المعنية بحماية البيئة في قطاع غزة.

وقال المناعمة إن دورهم هو فقط دور إشرافي توعوي تحفيزي للمبادرات التي تعمل على أرض الواقع، بينما لم يكتمل عمل أيّة مبادرة سابقة منبثقة عن سلطة المياه وجودة البيئة، بحسب المناعمة، الذي عزا ذلك إلى ما اصطلح عليه قلّة الوعي لدى الجمهور المستهدف.

وعن سياسة التعامل مع النفايات الصلبة المُتبعة من قبلهم، أفاد المناعمة أنّهم يعملون على التقليل من هذه النفايات، ثم إعادة استخدامها، ثم إعادة تدويرها، وأخيرًا استخدامها للطاقة، عن طريق توزيع الجهود ما بين المجالس والبلديات.