بمجرد أن قرر الشاب حازم جاد البدء بشراء أجهزة منزله قبل شهرٍ من زفافه صَدمته أسعار المحلات المعروفة في منطقته الحيوية والأكثر نشاطا على المستوى التجاري في مدينة غزة، ووجد أن الأسعار تفوق ميزانيته، فما كان منه إلا سمع نصيحة والده بالتوجه لأحد محالّ "المخراز" المتخصصة في استيراد الأجهزة المنزلية والكهربائية ذات الجودة العالية من الداخل الفلسطيني المحتل وبيعها بأسعارٍ متدنية نتيجة تعرضها أحيانا للكشط أو الحاجة لأعمال صيانة.
ويعود مصطلح "مخراز" وهو كلمة عبرية تدل على البضائع التي يشتريها التجار الفلسطينيين من الجانب الإسرائيلي، وتحديدا من الشركات التي تطرح تصفيات سنوية لمنتجاتها، ومن ثم يقومون ببيعها في قطاع غزة بأثمان معقولة، مقارنة بالأجهزة المستوردة.
ونتيجة للظروف التي يعاني منها سكان قطاع غزة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي عموماً، لا سيما مع ارتفاع معدل الأفراد تحت خط الفقر الوطني لما نسبته 81.8%، أصبحت بضائع المخراز بما فيها الأجهزة الكهربائية والأدوات الصحية وأدوات الطعام والمطبخ، تُشكِّل بديلاً منافسًا للبضائع الأخرى المستوردة عبر وكالات الشركات العالمية والصينية من حيث انخفاض ثمنها وجودتها العالية.
وبالعودة إلى الشاب جاد الذي تنقل بين عدّة محالّ مخراز كانت قد انتشرت إعلاناتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وجد أخيرًا ضالته في إحداها والتي عرضت عليه هدية في حال اشترى جميع الأجهزة التي يحتاجها منها.
جاد واحدٌ من العديد من الأزواج الجُدد الذين يواجهون تحديات اقتصادية تعوقهم عن توفير احتياجاتهم الضرورية من الأجهزة الكهربائية. لذا يتجاه الشباب المقبلون على الزواج من أجل تجاوز هذه التحديات إلى المخراز بحثًا عن الأسعار والجودة المناسبين، يُعلّق حازم: "ليس هناك خيارات أخرى .. المصاريف كثيرة ومرهقة لكل شاب يريد الزواج في غزة".
في محل المخراز اكتشف جاد وجود مجموعة واسعة من الأجهزة المنزلية المختلفة، بدءًا من الأجهزة الكهربائية المنزلية الصغيرة مثل الخلاطات والغلايات، وصولاً إلى الأجهزة الكبيرة الثلاجات والغسالات التي تتمتع بجودة عالية وتصاميم عصرية.
يقول الشاب الذي انتابه شعور بالدهشة عند رؤيته للأجهزة، "لا أعلم أين كانت تغيب هذه المحال عني، كنت أظن أن بضائع المخراز مستخدمة وفيها أعطال، لم أتوقع أن تكون بهذه الجودة العالية". وفي الواقع هناك العديد من الأشخاص ينظرون إلى أجهزة المخراز كنظرة جاد السابقة، والتي يصعب تعميمها على أيّة حال.
وتُعدّ هذه المحال وجهة للعديد من الأشخاص الذين يرغبون في فتح مشاريع خاصّة تكون الأدوات الكهربائية والمنزلية أحد مكوناتها الأساسية. ومن هؤلاء هديل عمران (25 عامًا) التي تستعد لبدء مشروعها المنزلي في صنع الكيك وبيعه.
وقفت هديل متأملة في أحد محلات المخراز أمام رف العجانات الذي أغراها بألوانه وأحجامه المتعددة، بعد أن ادّخرت مبلغاً من المال لشراء عجانة منزلية، ولاحظت تنوعًا واسعًا في أشكال وأحجام العجانات التي جاءت أسعارها متلائمة مع ميزانيتها فشعرت هديل أخيرًا أنّها وجدت ضآلتها.
وبعد استشارة صاحب المحل الذي يمتلك خبرة تزيد عن عشرة سنوات في المجال، قررت هديل اقتناء كافة مستلزمات مشروعها من محله فوافق على تقسيط المبلغ لمدة شهرين كنوع من الدعم لها.
تقول عمران: "منذ سنة كنت أبحث عن هذه العجانة المنزلية لم أكن أجد هذا النوع ولا الحجم ولا السعر، هناك عجانات صنعها محلي؛ لكنها لا تصلح لمشروعي. والحقيقة أن أجمل ما فعلته محلات المخراز هي إدخال أجهزة ذات ماركات عالمية، كنا نسمع عنها ونرى صورها عبر الشاشات، وبأسعار في متناول اليد".
واتفق أحمد أبو مسلم صاحب أحد محال المخراز مع ما أشارت إليه عمران بجودة بضائع المخراز، وهو ذاته ما أثار استغراب جاد الذي كان يظنّها بضائع مستخدمة وكثيرٌ منها تالف.
وقال أبو مسلم الذي يمتلك خبرة تصل إلى 12 عامًا في هذا المجال، لـ "آخر قصّة": "مفهوم محلات المخراز تغير اليوم عن السابق، فهي الآن تُعرَف ببضائعها المميزة والجديدة التي تعتبر نخب أول وذات ماركات عالمية فتتمتع بجودة عالية ورائعة".
ويضيف أنّه يستورد في متجره البضائع في فترة التصفيات السنوية من المحال والمتاجر الكبرى بالداخل المحتل، والتي تصنف على أنّها "تصفية معارض". يُعقّب: "هي بضائع حديثة لكن تواريخ إصدارها تكون من العام الماضي، وهذه الموديلات تكون معروضة على المواقع الالكترونية الخاصّة بماركاتها بأسعار الأصلية أو أسعار ما بعد الخصم في نهاية الموسم".
أما عن العملاء في غزة ومدى إحاطتهم بحداثة موديلات البضائع، فيقول أبو مسلم إنه يتعامل وزملائه من أصحاب متاجر المخراز مع جمهورٍ واعي ومتعلم بفضل الانفتاح التكنولوجي، إذ يعرف العديد منهم طبيعة المنتج الذي يتقدمون لشرائه ويعرفون سعره على الموقع الالكتروني الذي قد يصل إلى خمسة أضعاف السعر المعروض في محال المخراز، وفق قوله.
ويرى الزبائن تلك الأجهزة في كل مكان على الانترنت لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي؛ مما يسهم في زيادة الطلب عليها. يقول أبو مسلم: "هناك العديد من الأجهزة لم تكن مطلوبة في السابق كماكينات القهوة التي انتشرت الآن وأصبحت متوفرة مع معظم البيوت وكذلك العجانات الصغيرة"، بحيث تواكب هذه الأجهزة متطلبات العصر وتتواءم مع نمط الحياة الحديث.
ويسهم وعي الجمهور وبحثه واطلاعه على المنتجات الأوروبية وماركاتها وميزاتها في جعل أصحاب متاجر المخراز يسعوون إلى تنويع بضائعهم وموديلاتهم والمحافظة على تقديم ذات الجودة العالية منها.
كل تلك العوامل ساهمت في انتشار محال المخراز في قطاع غزة، تواءمًا مع ظروف المنطقة الاقتصادية السيئة، وتماشيًا مع متطلبات العصر. وعلى مدار سنوات استطاعت هذه المحالّ أن تبني جسورًا من الثقة بينها وبين عملائها الذين يصبحون مع الوقت زبائن دائمين وأوفياء.
أجهزة كهربائية