تعد قضايا النفقة من أكثر القضايا المُلّحة التي تعج بها المحاكم الشرعية في قطاع غزة، خاصّة في ظلّ تفاقم الوضع الاقتصادي سوءًا مع تفشي الفقر بين سكان قطاع غزة، وانعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي غيب حق الزوجة على زوجها.
وتُعرّف النفقة بأنّها كل ما يُنفقه الإنسان على أهل بيته وزوجته وأبنائه، وتعتبر قانونًا حقّ مترتب على عقد الزواج وتنتقل ولية الإنفاق من ولي المرأة قبل الزواج إلى زوجها، فهو حق الزوجة على زوجها وحق الأبناء أيضا على أبيهم، وفقًا للقانون.
تقول المحامية ومنسقة العيادة القانونية التابعة للجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، سعاد المشني، إنّ إنفاق الرجل على أهل بيته واجب في القانون ولكن قيمة الإنفاق تُحدَّد بحسب حال الزوج من يُسر أم عُسر، وتُقدَّر حسب مقدرته ووضعه الاقتصادي.
وتقسم النفقة ما بين مأكل ومشرب وملبس ومسكن، غير أنّ المشنى تُشير إلى أنّه عندما يخوض المحامون في قضايا النفقة، فإنّه من الشائع أن تُرفع دعاوى النفقة دون مسكن في حالات كثيرة. أما المسكن فترفع فيه دعوى أخرى تُسمى أجرة مسكن ولها حالات وشروط معينة عند المطالبة فيها.
ويطالب الرجل بالنفقة على زوجته حسب وضعه هو المادي، وليس وفقًا لظروف أهل الزوجة المادية سواء كانوا في ظروف جيدة أو سيئة. كما أن النفقة المفروضة على العامل ليست كالنفقة المفروضة على التاجر، وهكذا.
وقد يبدو أن هناك لبسًا في توقيت وجوب النفقة وعلى مَن تجب، وفي هذا الإطار توضح المشني أن النفقة شيء أساسي مترتب على عقد الزواج، ولكن يُشترط أن يكون زواج قائم وصحيح غير فاقد لركن من أركان عقد الزوجية، فإذا ما وقع الطلاق لا يُطالب الرجل بالنفقة على طليقته.
ماذا عن حالة كتب الكتاب دون حدوث زفاف وبقيت الزوجة في بيت أهلها، فهل تجب هنا النفقة؟ تجيب المشنى أنّ الحصول على النفقة هنا يحدث بالتراضي طالما لا يوجد خلافات، يتولى الرجل الإنفاق على زوجته وأهل بيته، فالزوج الذي يعرف حقوقه وواجباته يتولى الإنفاق على أهله دون اللجوء للقضاء.
أما في حالة امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته، هنا تضطر الزوجة الذهاب للمحكمة للمطالبة بالنفقة، ووفقًا للمشنى فإنّ النفقة في هذه الحالة تُسمى نفقة عن طريق التقاضي أو من خلال رفع دعوى قضائية في المحكمة؛ لمطالبة الزوج بالإنفاق على زوجته.
يتساءل البعض عن حق الزوجة العاملة في نفقة زوجها عليها، وما مدى وقوع الوجوب هنا من عدمه؟ تقول المشني إنّ المرأة العاملة إذا كانت تخرج لعملها وتغيب عن منزلها وأولادها بعلم الزوج ورضاه فإنّ نفقته عليها واجبة. أما لو كانت تعمل دون موافقة زوجها فلا تحق لها النفقة وتعد قانونًا امرأة ناشز إذ رفضت الاستماع لزوجها والبقاء في البيت فلا تحقّ لها النفقة، مبينةً أن النشوز لا يثبت إلا بحكمٍ قضائي.
ومن المعروف قانونيًا، أنّ قضايا النفقة من القضايا المستعجلة فيتم أخذ الحكم فيها من جلسة أو اثنتين لكن المتعارف عليه في المحكمة الشرعية بقطاع غزة، أن قضايا النفقة تأخذ وقتًا طويلًا بسبب مماطلات الزوج. وتُنبِه المشنى أن النفقة تُحسب من تاريخ الطلب حتى لو ماطل فيها الزوج تبقى دين عليه يجب سداده، كما أن دين النفقة له الأولوية في التحصيل دون غيره ولا يسقط إلا بعد تبرئة زوجته له حتى لو توفي.
ماذا في حالة هجرة الزوج أو سجنه أو غيابه، هل تجب عليه النفقة هنا؟ تجيب المشنى: "نعم حتى لو لم يكن الزوج موجودًا، تحلف الزوجة هنا يمين أنه لا يدفع لها النفقة، فتحكم لها المحكمة بوجوب نفقته. وتحصل عليها في هذه الحالات من خلال أن يكون هناك أموال ظاهرة للزوج فيجوز لها الحجز عليها حتى تحصل على أموال النفقة التي حكمت لها المحكمة بها سواء سيارة، منزل، مال في البنك، وخلافه.
وهل عدم الإنفاق على الزوجة يعطيها الحق في طلب الطلاق؟ "نعم القانون أعطاها أحقية الطلب بالطلاق لو رفض زوجها الإنفاق عليها، وذلك بعد حكم المحكمة لها بالنفقة وصدور أمر حبس لـ 6 شهور مثلا، وإخطار الزوج بضرورة الدفع فإذا لم يدفع يحقّ للزوجة رفع دعوى تطليق لعدّ الإنفاق.
في تلك الحالة يكون الطلاق رجعيًا يعطي الزوج مهلة 30 يوم؛ ليقوم بدفع نصف المبلغ و يلتزم بالنفقة. لكن المحكمة أصبحت حاليًا تُلزم الزوج بدفع المبلغ كامل إذ يدفع كل المتراكم عليه ويُحضِر كفيلًا عدليًا للاستمرار في الإنفاق على زوجته وذلك بعد صدور قرار عام 2022 بذلك. بحسب المشني، وبناءً على ذلك فإنّ الطلاق بسبب عدم الإنفاق حق للمرأة لو لم يستجب الزوج، وحتى إذا تطلقت وانتهت عدّتها يحقّ لها المطالبة بحقوقها الشرعية كاملة.
ومن المهم معرفته، وفقًا للمحامية سعاد المشنى، أن حدود النفقة لا تقف عند الزوجة فقط، بل أيضًا تحق النفقة للأولاد البالغين من أبيهم وتسمى (نفقة الأولاد)، وكذلك للأم والأب الهرمين الذين لا ينفق عليهم أبناؤهم يحق لهم رفع دعوى نفقة، وتسمى (نفقة أب، أو نفقة أم).
وعلى الرغم من التعقيدات والتحديات المتعلقة بقضايا النفقة؛ إلا أنّها تحتاج إلى اهتمام ومعالجة فعالة لضمان حقوق الأفراد وتوفير حياة كريمة للأسر. كما أن مواجهة قضايا النفقة وتحقيق العدالة الاجتماعية تتطلب تعاونًا شاملاً ما بين الأفراد والمجتمع والسلطات المعنية إذ يعمل القانون والنظام القضائي على تطبيق القوانين والأنظمة بشكل عادل ومنصف، مع مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأفراد وتوفير الحماية اللازمة للمرأة والأسرة.
ومن الأهمية بمكان أن تعمل كافة الأطراف على تعزيز الوعي والتثقيف حول حقوق النفقة وأهميتها، وتوفير الدعم القانوني والاجتماعي للأفراد الذين يواجهون صعوبات في الحصول على حقوقهم. إذ يُسِهم تحقيق العدالة في قضايا النفقة في بناء مجتمع أكثر استقرارًا ورفاهية للجميع.