عندما سافر شاكر أبو فودة وعلاء مصطفى من قطاع غزة إلى الجزائر بغرض الدراسة، كانا محملين بالكثير من هموم واقع المعيشة في البلاد التي تشهد العديد من الصراعات السياسية، وما ينتج عليها من مشكلات نفسية جمّة للسكان عامّة؛ الأمر الذي جعلها دائمًا محلّ تفكيرهم في إيجاد تسهيلات وحلول للأهالي هناك.
عامٌ بعد عام، حصل أبو فودة على درجة البكالوريوس في هندسة الإلكترونيات والماجستير في هندسة المعدات الطبية من جامعة أبي بكر بلقايد في الجزائر، ونال مصطفى درجتي البكالوريوس والماجستير في هندسة المعدات الطبيّة.
وبتاريخ الثالث من يوليو من العام الحالي، قام الشابان بمناقشة رسالة الماجستير المُعنونة بـ "جهاز لتشخيص وعلاج الرهاب باستخدام الإشارات الفسيولوجية (ECG & EEG) مدمج مع الواقع الافتراضي".
لم تكن المرحلة سهلة؛ لكن المهندسين حصلا على درجة الامتياز مع العلامة النهائية (20/20) في تخصصات كلية التكنولوجيا، وهذه سابقة في تاريخ دولة الجزائر. وتأتي هذه النتيجة الباهرة بعد سنوات من العمل الجاد والمهارات الفنية التي يمتلكها الاثنان في مجال الهندسة الطبية.
أثبت الجهاز قدرته على التمييز بين حالات الرهاب المختلفة وتقديم توصيات خاصة بسبل العلاج. وقد تمت مناقشة المشروع أمام لجنة تحكيم متخصصة، وحصلا الشابين على درجة الامتياز بتقدير عالٍ، إلى جانب توصيات قيمة لتطوير الفكرة وتوسيع نطاقها.
ونتيجةً لذلك، سجل الزميلان براءة اختراع في ابتكار جهازهم المختص في تشخيص وعلاج الرهاب. واستوحى الزميلان فكرة اختراعهم من الظروف الصعبة التي عاشوها في قطاع غزة، نتيجة العدوانات الإسرائيلية المتكررة وما تتسبب به من مشكلات نفسية على السكان، وذلك قبل أن ينتقلوا للدراسة في الجزائر.
يقول أبو فودة، "إنّ الأوضاع النفسية القاسية التي يعاني منها جميع سكان القطاع لا سيما الأطفال بعد كل تصعيد إسرائيلي، دفعتنا للتفكير في هذا الابتكار العلمي المتعلق بالرهاب، ومحاولة تنفيذه وتطويره ليصبح حقيقة على أرض الواقع".
خلال فترة الدراسة، استغرق الشابين ما يُقارب 9 شهور لتنفيذ وتطوير الجهاز إذ قاما بتصنيع الأجهزة يدويًا، واستخدامها في دراسة حالات متنوعة للرهاب.
وحول فكرة هذا الجهاز، قال مصطفى: "تأتي فكرة جهازنا الابتكاري من استخدام التقنيات المتقدمة في مجال الواقع الافتراضي وتحليل الإشارات الحيوية لتشخيص وعلاج حالات الرهاب".
وصمم الزميلان الجهاز لتوفير بيئة آمنة خالية من المخاطر، إذ يُمكِن للمرضى فهم أسباب خوفهم ودراسة حالتهم بشكلٍ مفصل، بأنفسهم ودون الحاجة للاستعانة بمختص نفسي.
كيف يعمل هذا الجهاز؟ يقول أبو فودة، "يعمل جهازنا المبتكر على تقديم علاج فريد يستند إلى المؤثرات الصوتية في بيئة الواقع الافتراضي؛ مما يوفر فرصة للمرضى للتعرّف على سبب خوفهم ودراسة حالتهم واستكشاف فرص العلاج".
ويساعد الجهاز الأشخاص في مناطق الحروب وخاصّة فئة الأطفال الذين تعرضوا لصدمات الحروب وغير القادرين على التعبير عن أنفسهم ومخاوفهم وحدّة مشاعرهم، ومن خلال قاعدة البيانات المنشأة سيساعد هذا الجهاز على تحديد نوع الفوبيا وبالتالي إجراء التدابير اللازمة للعلاج، وفقًا للمهندسين.
سُجِل المشروع كبراءة اختراع في المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية وحاز على الوسم التجاري الخاص بالمؤسسات الناشئة؛ مما يبرهن على قوة الابتكار والتطوير في هذا المشروع، إذ أوصى العديد من المتخصصين في دولة الجزائر باستخدام الجهاز والتطوير عليه.
بعد هذا الإنجاز العلمي، يخطط الشابان للتقدم بطلب للحصول على منحة الدكتوراة وتطوير مشروعهما وتطبيقه على أرض الواقع كشركة، ويعكس هذا التطور التزامهما بتطوير الأبحاث العلمية وتحويلها إلى منتجات قابلة للتطبيق وذات قيمة تجارية.
يُشكل نجاح أبو فودة ومصطفى نموذجًا يحتذى به للشباب الفلسطيني، إذ يواصلون تحقيق أحلامهم وطموحاتهم في مجال الهندسة الطبية، وتقديم خدمة إنسانية لجميع الذين يعانون من مشكلات نفسية في التعبير عن مشكلاتهم، والتخفيف من حدّة المشكلات التي تعرضوا إليها.