في أحد أراضي جنوب شرق قطاع غزة، يعيش المزارع محمد المصري، رجل بسيط يعشق الأرض ويعتني بها بعناية فائقة. منذ سنوات طويلة وأجيال عديدة، كانت عائلة المصري تعتمد على زراعة الأرض كوسيلة للعيش والاستمرارية، فهي بالنسبة لهذه الأسرة تمثل الأمل والمصدر الوحيد لاستدامة حياتهم والعيش بكرامة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهونها في قطاع غزة المحاصر للعام السابع عشر على التوالي.
مع مرور الزمن، شهدت أرض المصري تدهورًا متسارعًا بسبب التغيرات المناخية وانتهاك الحقوق البيئية، حيث ارتفعت درجات الحرارة، وتلوث المياه بسبب آبار الري العشوائية التي استنزفت الخزان الجوفي، الأمر الذي أدى إلى تدهور التربة، مما أثر سلبا على الإنتاجية. وقد اضطر محمد إلى التخلي عن أجزاء كبيرة من مزرعته بسبب الجفاف وعدم قدرته على الاستمرار في زراعتها.
يشتكي المزارع البالغ 42 عاماً، وهو واحد من أصل 40 ألف مزارع يعيشون في غزة، من غياب العدالة الاجتماعية، إضافة إلى عدم التساوي في الحصول على الموارد الزراعية الأساسية والدعم اللازم من الجهات المختصة، وقال إن المناطق الأكثر فقرًا على مستوى القطاع يتم تجاهلها وتجاوزها فيما يتعلق بتوزيع المساعدات والمشاريع الزراعية المستدامة.
ومع كل هذه التحديات، يواجه محمد أيضًا التهديدات البيئية الناجمة عن النشاطات البشرية والتي أثرت سلباً على جودة المنتج وعلى صحة المواطن في آن واحد، مثل استخدام بعض المزارعين للمخلفات والنفايات بديلاً عن السماد الزراعي، أو الإفراج في استخدام الأسمدة الكيماوية. ولسوء الحظ، لم يكن لدى المزارع "المصري" قدرة على إقناع زملاءه بالكف عن هذا السلوك غير القانوني والصحي.
وتُعتبر العدالة المناخية تحديًا ملحًا يتطلب اهتمامًا عاجلا في المنطقة العربية بما في ذلك الأراضي الفلسطينية. فعلى مدى العقود الماضية، شهدت البيئة التي نعيش فيها تدهورًا متسارعًا بسبب التغيرات المناخية والتداعيات البيئية الناجمة عن الأنشطة البشرية. ومع مرور الوقت، أصبح من الضروري البحث عن حلول مبتكرة وعادلة للتصدي لهذه التحديات والحفاظ على مستقبل مستدام للأجيال الحالية والمستقبلية.
وكانت تعد الأراضي الفلسطينية منطقة فريدة ومتنوعة بمواردها الطبيعية، إلا أنها تواجه تحديات بيئية جمة تهدد توازن البيئة وحياة السكان. تضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل انتهاكات الاحتلال لقطاع الزراعة بوجه خاص.
ومن أجل التصدي إلى هذه التحديات التي أثرت سلباً على قطاع غزة، قال المهندس الزراعي خالد صقر، إن الأمر يتطلب اتخاذ أربع إجراءات ملموسة وفعالة لتعزيز الحقوق البيئية والعدالة المناخية في الأراضي الفلسطينية، وهي على النحو التالي:
يجب على الحكومة أولاً ثم منظمات المجتمع المدني تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة ومواجهة التحديات المناخية من خلال حملات توعية وتثقيف للمجتمع عموماً والمزارعين بشكل خاص للكف عن الانتهاكات التي ترتكب بحق البيئة والتي أثرت سلبا على جودة المنتج الزراعي وراجعت من كمية الإنتاج بشكل كبير.
بلا شك، يمكن للتطور التكنولوجي أن يلعب دورًا حيويًا في تحسين جودة البيئة والحد من الانبعاثات الضارة. يجب تشجيع الابتكار واعتماد التكنولوجيا النظيفة في القطاعات المختلفة.
يمثل القطاع الزراعي جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الفلسطيني، ويجب دعم المزارعين وتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة والتي تحافظ على التوازن البيئي، وهذا الأمر لابد أن تتظافر فيه الجهود من أجل دعم هذه الشريحة من المجتمع وتعزيز دورها في العيش الكريم وكذلك في توفير منتج غذائي ذات جودة.
تعتبر التحديات البيئية والمناخية قضايا عالمية تتطلب تعاونًا دوليًا للتصدي لها، وبالتالي يجب على المجتمع الدولي دعم جهود الأراضي الفلسطينية وتقديم المساعدة في مجال الحفاظ على البيئة ومكافحة التغير المناخي، كما لابد من الالتفات إلى ضرورة ثني الاحتلال عن مواصلة انتهاكاته بحق البيئة الفلسطينية.
ختاماً، إن قصة المزارع أبو جزر تعكس حقيقة الكثير من المزارعين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف بيئية صعبة ويواجهون تحديات جمة في التصدي للتغيرات المناخية وحماية البيئة. لذلك يجب أن تكون الاستدامة البيئية واحترام الحقوق البشرية جزءًا أساسيًا من السياسات الحكومية والمجتمعية للحفاظ على بيئة مستدامة للأجيال الحالية والمستقبلية في الأراضي الفلسطينية وجميع أنحاء العالم.