نساء مناطق حدودية يشتكين التمييز في فرص العمل 

نساء مناطق حدودية يشتكين التمييز في فرص العمل 

تشتكي بعض النساء لاسيما الخريجات الجامعيات اللواتي يقطن في المناطق الحدودية لقطاع غزة، من التهميش والتمييز في فرص العمل الحكومية والأهلية، بينهن وبين أخريات يسكُنَّ مركز المدن، بالقرب من المؤسسات والوزارات والمراكز التشغيلية، وسط قانون تقليدي لا ينصفهن بحسبِ آراء ذوي الاختصاص.

وقد تتذرع بعض المؤسسات بصعوبة الحركة والتنقل وطول المسافة التي يقطعها سكان المناطق الحدودية في رحلة وصولهم لأماكن العمل؛ الأمر الذي يجعل تلك المؤسسات تُفضل الآخرين الذين يقطنون في المدن والمحيط الجغرافي القريب نسبيا، وهذا بطبيعة الحال يحدّ من الفرص أمام سكان المناطق الحدودية.

وإذا ما حسبنا المسافة التي تحتاجها ديما منير (30 عاماً) التي تقطن في منطقة خزاعة الحدودية شرق خانيونس جنوب قطاع غزة، لتصل إلى قلب مدينة غزة، فإنّها تستغرق 45 دقيقة، تستقل خلالها ثلاث وسائل مواصلات، بتكلفة تُقدّر بنحو (18 شيكلا) ذهاباً وإياباً؛ لقاء قطع مسافة (29.5 كيلومترا). 

ديما تلك البنة الريفية، تتولى مع والدتها إعالة الأسرة المكونة من (7) أفراد بعد وفاة والدها، وهن جزء مما نسبته 11% من الأسر اللواتي ترأسها نساء في القطاع. 

وعلى الرغم من وضعها الاقتصادي وحصولها على شهادةٍ جامعية، إلا أنّها تنظر باستياء إلى المؤسسات الداعمة لمشاريع التشغيل والتي تستهدف النساء في المناطق الحدودية، وتقول: "نسمع الكثير عن مشاريع تشغيل المرأة هنا في منطقة سكني، لكني والكثير من النساء لا نرى ذلك".

وتُبدي الفتاة الثلاثينية التي تُعاني من شُح فرص العمل، حقنًا على زميلاتها الجامعيات الأخريات واللواتي رغم ضعف مهاراتهم حصلن على فرص عديدة ومُجدية فقط لكونهم يقطنَّ في محافظات وأحياء مركزية.

وتقول منير بنبرة مرتفعة وغاضبة: "حصلنا على العديد من الشهادات ونحاول جاهدين نيل فرص عمل لكن هناك تمييز بيننا وبين غيرنا، والواسطة تلعب دورًا في تشغيل العديد، وتحديدًا داخل المؤسسات الأهلية والخاصّة وما ينبثق عنها من مشاريع".

وأردفت: "لا نستفيد من هذه المشاريع على الرغم من أنّ وضعنا المعيشي المتردي يُفترض أن يضعنا على سلم أولويا المؤسسات المعنية، ومع ذلك لم نفقد الأمل وقدمنا لبعض المؤسسات بحثا عن فرص التشغيل أنا وأمي وبعض النساء من الجوار، لكن للأسف لم يُنظر إلى طلبنا".

توافقها الرأي مرام عمر (28 عامًا) التي تعيش في منطقة جحر الديك التابعة لمحافظة الوسطى، وتعاني من صعوبة الحركة والتنقل من بيتها إلى مختلف المحافظات الأخرى.

تقول مرام التي تساهم في دخل أسرتها البسيطة، إنّ فكرة التنقل من بيتها ترهقها لما تحتاجه من وقتٍ وتفكير، تُضيف: "ضاعت الكثير من الفرص؛ يفضلون أهل المدينة؛ بسبب قربهم ولأنهم يتحملون تكلفة أقل في المواصلات والوقت".

وتتساءل الفتاة التي تعيش ضغطًا في كل مرة تضطر فيها إلى قضاء احتياجات من محافظة أخرى، عن المشاريع التطويرية والتنموية التي تحتاجها منطقتها السكنية، وتقول: "لماذا لا يوجد فروعًا للمؤسسات في مناطقنا أو مشاريع تشغيلية تستهدفنا لتطوير المنطقة".

وتضطر بعض النساء القاطنات في المناطق الحدودية إلى أن ترفضن وظائف؛ نتيجة هدرِ جزءٍ كبير من أجر الوظيفة على المواصلات، حسب أقوالهن، فيما لا يُفرَد في البند الوظيفي مُخصصًا ماليًّا يتضمن المواصلات وحدها؛ ما يزيد الأعباء على كاهلهن. 

ومن هؤلاء إيمان عامر (25 عامًا) التي انتقلت للسكن من غزة إلى منطقة حدودية من محافظة بيت لاهيا شمال قطاع غزة بعدما تزوجت. تقول في حديثٍ لـ "آخر قصّة": "تخرجت من كلية الإدارة قسم المحاسبة وسعيت للحصول على عمل فتقدمت للعديد من الوظائف التي يُعلن عنها ولم أحصل على قبول".

مؤخرًا، حصلت السيدة عامر على فرصة عمل ضمن فرص التشغيل المؤقت للخريجين، ومدتها لا تتجاوز الـ 6 في معظم الأحيان، لكنها رفضتها، وقالت إن ما ستجنيه من أجر سيُهدر في المواصلات، خاصّة أنّها ستضطر لقطع مسافات طويلة في شوارع ترابية أو استقلال مركبة بأجرّة خاصّة، حتى تصل إلى الطريق الرئيسي الذي يمكنها من الانتقال لمحافظة ثانية حيث فرصة التشغيل، وهو تكاليف تقول إنها غير مشمولة في أجرة العمل.

تُطالب هؤلاء النسوة بوظائف تستهدفهن سواء في أماكن سكنهم، أو في غيره على أن تتضمن أجرة العمل ما يتكبدهن من نفقات مالية كبيرة في المواصلات مراعاة لظروفهن، لكن عند التطرق للأمر من ناحية قانونية نجد أنَّ القانون الفلسطيني لم يتضمن ذلك.

يقول المحامي عبد الله شرشرة، إن قانون العمل الفلسطيني تقليدي، كونه يُناقش شروط العمل دون التطرق للفئات الهشة، من النساء وذوي الإعاقة وغيرهم، ولم يتضمن زيادة أجرة العمل لسكان المناطق الحدودية النائية عن مراكز التشغيل.

بالإضافة إلى ذلك، يُشير شرشرة إلى أنَّ كافة القوانين الفلسطينية المُكملة لقانون العمل، مثل الضمان الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر، لم تُناقش هذه القضايا. وطالب وزارة العمل بتغطية هذه الثغرة القانونية عبر تنفيذ برامج تشغيلية تشمل هذه الفئة.

ويعاني القانون الفلسطيني من ثبات نسبي منذ عام 2000، دون أن يطرأ عليه تغييرات، بحسب المحامي شرشرة، وذلك نتيجةً للأوضاع السياسية الناتجة عن الانقسام الفلسطيني وتجميد عمل المجلس التشريعي منذ عام 2006 وحتى اليوم.

وفي ظلّ غياب سنّ التشريعات، يرى شرشرة أنّه على وزارة العمل فرض استراتيجية تتضمن برامج تُحسّن من شروط عمل النساء العاملات في المناطق الحدودية في مختلف المجالات لاسيما الزراعة، وتضمن لهن الحدّ الأدنى من الأجور.

تقاطع ما أشار إليه شرشرة مع ما أوضحه مدير دائرة شروط العمل في وزارة العمل بغزة، حسين حبوش، وقال إنّ قانون العمل لم يُحدِّد الأجور بشكل عام لجميع الأعمال، ومن ضمنها مجال الزراعة الذي تمتهنه العديد من نساء المناطق الحدودية.

وأفاد حبوش بأنّ القانون الفلسطيني، أحال موضوع تحديد الأجور إلى لجنة الأجور في وزارة العمل التي تضع حدًّا أدنى مُلزَم به.

وعلى الرغم من شكاوى العديد من النساء القاطنات في المناطق الحدودية من طول المسافة وتكلفة المواصلات وشُح فرص العمل، إلا أنّ مدير دائرة التشغيل في وزارة العمل صالح صهيون، يرى أنّ المسافة بين البيوت في المناطق الريفية الحدودية وأماكن العمل داخل القطاع لا تعتبر مشكلة، مقدرًا تكلفتها بـ (3 شيكل) فقط.

وقال صهيون في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، إنَّه من الصعب على وزارة العمل أن تجدَ حلاً لهذا الأمر، مشيرًا إلى أنّ معظم المؤسسات تتركز في المدن.

وفيما يخصّ تشغيل نساء تلك المناطق، أوضح صهيون بأنَّ فرز أسماء الحاصلين على فرص التشغيل يأتي وفقًا للتخصصات، وقال إنّ هناك نسبة من التوزيع المناطقي "لا بأس بها" حسب تعبيره، يلتزمون فيها ضمن مشاريعهم، قدّرها بـ 40% تقريبًا.

وما بين مساعي الخريجات الجامعيات اللواتي يقطن المناطق الحدودية في الحصول على فرص عمل "عادلة"، والمطالبات الحقوقية بتغطية الثغرات القانونية من قِبل وزارة العمل، وتجاهل الوزارة لهذه الأصوات، ستبقى النساء في المناطق الحدودية يُعانين جملّة من المشكلات في الفرص والتوظيف والوصول لأماكن العمل داخل قطاع غزة.