قد يصبح البحر خيارًا وحيدًا بالنسبة لسكان قطاع غزة - الذين يرزحون تحت الحصار والانقطاع المستمر للكهرباء ويعانون الأمرين نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية - للترويح عن النفس، وبالتالي لا مناص من خيمة أو جلسة على الشاطئ لتجاوز الحرارة والعتمة والبحث عن الأمل والراحة.
لا أحد ينكر أن ساحل غزة الذي يمتد بطول 41 كيلومترًا هو ملاذ يوفر الطمأنينة ويمنح السكان الذين يتجاوزن اثني مليون إنسان يعيشون في بقعة هي الأكثر كثافة على مستوى العالم، لحظات هدوء نادرة في زمن الصعاب والتحديات وبخاصة في ظل القيود الصارمة على حرية التنقل وانعدام فرص الحياة الكريمة، ويقول البعض لولا البحر لكانت قد غرقت غزة في الكآبة.
وعلى الرغم من أن البعض ممن طفح الكيل بهم نقمًا وسخطًا على الواقع المعاش لاسيما في ظل التوترات الأمنية التي تقع بين الحين والآخر، ولم يعودوا يروا لا في البحر ولا غيره متنفسًا، إلا أنه علينا أن نعترف أن البحر هو بوابة الحياة بالنسبة لغزة.
وإذا ما تعمل السكان خصوصا المكتئبون والذين يعيشون ضغطا نفسيًا، مع البحر على قاعدة التعايش والمحبة على اعتبار أنه السبيل الوحيد للتفريغ والترفيه وتنقية المزاج، فلا بد أنهم سيكتشفون الفوائد التالية التي حتمًا ستنعكس على صحتهم الجسدية والنفسية معًا ومنها:
في ظل الأوضاع القاسية وتدني مستويات الدخل واعتماد غالبية سكان القطاع على المساعدات الإنسانية، يجد الناس في أمواج البحر فرصة للاسترخاء، حيث يعمل صوت أمواج البحر على تهدئة الأعصاب وتخفيف التوتر الناجم عن الحياة اليومية المضطربة. فالمشي على الشاطئ أو الاستلقاء تحت أشعة الشمس المشرقة يساعد على تجديد النشاط والتخلص من التعب الجسدي والنفسي.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعداها إلى تأثيره الإيجابي على الصحة النفسية، حيث يُعتبر البحر مكانًا يمنح الإلهام ويُساعد على التفكير الإيجابي والابتعاد عن الهموم والضغوط اليومية.
وتؤكد الدكتورة شروق السيد بدران، استشارية الصحة النفسية والعلاج السلوكي، أن التواجد في الطبيعة في مكان نشعر فيه بالأمان والراحة، مثل الجلوس على الشاطئ، يخفف من ضغط الدم ومستويات هرمون التوتر كما يقلل قضاء الوقت على الشاطئ والنظر إلى البحر من القلق وإثارة الجهاز العصبي.
ومن المعروف أن البحر يحتوي على معادن وأملاح مفيدة للبشرة والشعر، لذا فإن غمر الجسم في مياهه يعمل على تنقية البشرة وترطيبها وجعلها ناعمة وصحية، كما يساهم البحر في علاج بعض الأمراض الجلدية والتهابات المفاصل.
ويتقاطع مع هذا القول، حديث الدكتور فراس علي الربيعي، استشاري طب الأسرة بدبي، عن أن فعل ارتياد البحر يعزّز الجهاز التنفسي وينشط الدورة الدموية بحيث يعتبر ارتياد البحر نوعًا من أنواع الرياضة وجسم الإنسان مصمم للحركة وليس للسكون وأي نشاط بدني يقوم به.
وأشار الربيعي إلى أن البحر يعزز من الدورة الدموية، حيث يساعد في وصول الدم إلى المفاصل والعضلات، مبينًا أن هذه العملية تحتاج إلى كمية أوكسجين هائلة، وبهذه الحالة يقوم الجهاز التنفسي بالعمل بحيث يرتكز على تنشيط الدورة الدموية وتوصيل مادة الأوكسجين وسحب ديوكسيد الكربون من أجزاء الجسم، ما يقود إلى تنشيط الدورة الدموية والتنفس في الوقت نفسه.
كما أن خاصية الملوحة في الماء تؤثر في البكتيريا فتؤدي إلى الحد منها على الجلد وتعيد الحموضية الطبيعية لجلد الإنسان وتساهم في عملية تقشير الجلد (الجزء الميت) وهناك بحوث تتعلّق باستخدام ماء البحر كعلاج لمرضى الأكزيما.
وجود الأملاح في ماء البحر يساعد على ترطيب الجلد، تغذيته، وتتبعها عملية تقشير، مع القضاء على البكتيريا، كما يقول الربيعي.
يشكل البحر مكانًا مناسبًا لممارسة الأنشطة الاجتماعية والترفيهية، حيث يلتقي الأهل والأصدقاء على شاطئ البحر للاستمتاع بأوقات ممتعة وإنشاء ذكريات جميلة معًا، تُعتبر هذه اللحظات القيمة مصدرًا هامًا للسعادة والارتياح النفسي.
ولا يمكن إغفال الأهمية الاقتصادية للبحر أيضًا، حيث يوفر فرصًا للاستفادة من الثروات البحرية وتطوير قطاع الصيد والسياحة البحرية، ناهيك عن أنه يمثل مصدرًا هامًا للعيش والاقتصاد للعديد من العائلات في المنطقة، ليس اعتمادًا على الصيد فقط، وإنما في الاستثمار السياحي.
يمكننا القول إن البحر يحمل الأمل والسلام ويُعَدُّ نقطة ضوء في زمن الحصار والصعاب. إن أهميته تتجاوز فكرة الاستجمام والترفيه، فهو يحمل العديد من الفوائد الصحية والنفسية لسكان قطاع غزة. ومع الاستفادة المثلى من هذه الثروة الطبيعية، يمكن للبحر أن يصبح رافدًا إضافيًا للتنمية المستدامة وتحسين نوعية الحياة للجميع في هذه المنطقة المنكوبة."