التأخر في الإنجاب: ثقل يلقي به المجتمع على المرأة

التأخر في الإنجاب: ثقل يلقي به المجتمع على المرأة

ينظر البعض للمرأة الفلسطينية عموما وفي قطاع غزة خاصة، كأداة للإنجاب فقط، ويمارسون عليها صنوفا منوعة من الضغط والتجريح إذا لم تنجب، وتلاحقها الألسن التي تقتحم حياتها الخاصّة. 

"عقبال جبرانك" كلمة غزاوية كثيرًا ما تتردد على مسامع السيدات المتزوجات اللواتي لم يُنجبن بعد. تُسِرها النسوة في آذانهن كمؤازرة لهن بالدعاء بالإنجاب والذرية؛ لكنّها "ثقيلة" على نفوس اللواتي يتلقينها، وكفيلة بأنّ تتسبب لهن بمشكلات صحيّة نفسية مُرهِقة.  

وعلى الرغم من أنّ التأخر في الإنجاب هو حالة صحيّة بحتة؛ إلا أنّها تحوّلت إلى هاجسٍ يؤرق النساء نتيجة النظرة المجتمعية القاصرة تجاههن؛ ما يتسبب لهن بشعورٍ بالنقص والذنب في آنٍ واحد. 

ومن ناحية اجتماعية ونفسية، تقول المختصة النفسية آلاء راضي إنَّ المجتمع دائمًا ما يضع المرأة في دائرة الاتهام الأولى بسبب عدم حدوث حمل خلال الشهور أو السنة الأولى من الزواج؛ الأمر الذي يُعرضها إلى مشكلات نفسية تتمثل في القلق واليأس والاكتئاب والضغط الفكري والإجهاد النفسي وغيرها من الاضطرابات.

الأمر حصل مع ايمان سليمان (29 عامًا) التي تزوجت منذ 6 سنوات، وقبل انقضاء العام الأول دون إنجاب بدأ الضغط العائلي من الطرفين عليهم؛ الأمر الذي وصل إلى إيذائها بالكلمات الجارحة في كل جلسة أسرية.

ولسنوات بقيت إيمان وزوجها الذين يقطنون في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، يتعالجون بالطرق البدائية والتقليدية، تقول: "كل سيدة تقدم لنا وصفة مختلفة عن الأخرى حتى جربنا كل الوصفات الشعبية، إلى أن قررنا التوجه للعلاج في المراكز الطبية المتخصصة والموثوقة".  

اليوم، لجأ الزوجان إلى مركز إخصاب متخصص، تُوضح: "بعد اتفاقنا سرًا وهربًا من تتبع المجتمع لخطواتنا، نحن الآن بصدد إجراء ما يعرف بعملية أطفال أنابيب (عمليةَ الاخصاب تحدث خارجَ جسم المرأة) بعد سنواتٍ من العلاج والعمليات التي أرهقتنا اقتصاديًا". 

ويُصنف المجتمع الفلسطيني في غزة المرأة ضمن قوالب محددة، فالآنسة يضعها في معيار ما، والمتزوجة التي لم تُنجب في معيار آخر، وكذلك المتزوجة التي أنجبت الإناث دون الذكور، أما التي حظيت بإنجاب الذكور فهذه في قالبٍ آخر تمامًا، وهكذا لا تسلم المرأة من تقييدات المجتمع فكريًا ومعنويًا.  

وعلى النقيض يبقى الرجل في مأمنٍ إلى حدٍ ما من كل تلك المعايير والقوالب المجتمعية، حتى أنّ هناك نعتا مجتمعيا يقول إنَّ الرجل لا يُعيبه إلا جيبه، ولكن هل يبقى كذلك حتى لو كان عقيمًا؟

تُجيب صفاء فتحي (28 عامًا) التي تزوجت وعرفت فيما بعد أنّ زوجها يُعاني من مشكلة عقم وراثية، إنَّ الأمر يؤثر على النظرة المجتمعية تجاه الرجل إلى حدٍ ما، فيما هي ترفض الحديث في المشكلة أمام الناس للحفاظ على رجولته. 

وتُعد مشكلة العقم الوراثيّة عند الرجال من أصعب الأمراض الوراثيّة النّاتجة عن خللٍ جيني في الكروموسومات التي يحملها الفرد؛ مما يؤثر بالسلب على قدرة الرجل على الإنجاب.

وقانونيًا، يحقّ للزوجة طلب التفريق وفقًا للمادة (43) من قانون الأحوال الشخصية، في البند رقم (5)، وذلك في حال كان الرجل عقيمًا أو ابتلى بالعقم، خلال الزواج ولم يكن لها منه ولد على قيد الحياة.

غير أنّ، صفاء التي تقطن في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، عبّرت خلال حديثها لـ "آخر قصّة" عن حبها لزوجها، وأنّ رغبتها في إنجاب الأطفال بعد مرور 4 سنوات على الزواج لا تقفُ عائقًا أمام حُبها له أو احتمالية أن يعيشوا العمر وحيدين.

وعلى الرغم من أنّ عائلة زوجها تُكنّ لها احترامًا وحبًا، حسب قولها، إلا إنّ موضوع الإنجاب بدأ يتحول مع الوقت إلى شرط من شروط الحفاظ على الحياة الزوجية والبيت، حتى بات حملًا ثقيلا على كاهلها، خاصّة عندما أعطت العائلة الأولوية للأخ الأكبر في العلاج للإنجاب.

من جهةٍ أخرى، يُحمِّل المجتمع كافة أفراد الأسرة "وِزرًا" إذا تزوج أحدهم ولم ينجب، وتبقى العائلة في مرحلة "اختبار" مجتمعي لتخمين قدرة جميع أفرادها على الإنجاب أم لا؛ الأمر الذي ينعكس سلبًا على فرص زواج الفتيات الآنسات من الأسرة.

لذلك، لم تسلم العشرينية نور إياد التي تقطن شمال قطاع غزة، من ألسنة الخاطبات عندما يتقدمن لخطبتها لأبنائهن، فمجرد معرفتهم بأنّ اثنين من إخوانها تزوجوا ولم ينجبوا يبدأوا بإلقاء الكلمات الجارحة.

"المرأة التي لا تنجب طفلًا ولا تكون أم، امرأة خالية من الحياة وتبقى وحيدة"، عبارة تكرر صداها في أذن "نور" من امرأة جلست معها، وكأنها تُلقي اللوم عليها وتُشعرها بالذنب.

تتسبب تلك النظرة المجتمعية والأحكام المسبقة التي يطلقها المجتمع على حياة ومستقبل الفتاة قبل أو بعد الزواج، بتفضيلهن العزلة الاجتماعية، وفقًا لما أفادت به المختصة النفسية آلاء راضي، التي قالت إن الأمر قد يؤثر على علاقة المرأة مع زوجها ويبني فتورًا وبرودًا قد يقود لتفكك العائلة أو الانفصال.

وبلا شك فإنّ فرص سعي النساء للإنجاب يزداد كلما تقدم بهنّ العمر كمتطلب فطري واجتماعي لا مفر منه، بحسب راضي؛ إلا أنّ ضغوط المجتمع خاصّة المقارنات التي يبينها بين المرأة التي أنجبت وغيرها، تؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس وحاجتهم المُلِّحة إلى الاستشارة النفسية.

وعن طريق المعالجة، أكدت راضي على أن العلاقة الزوجية القائمة على الوضوح والمودة والاحتواء تساعد في تخطي الأمر نفسيًا بصورة أسرع وأفضل مع إيجاد حلول وسرعة بالعلاج والشفاء.