أصوات أطفال غزة: قصص مأساوية وانتهاكات مستمرة

أصوات أطفال غزة: قصص مأساوية وانتهاكات مستمرة

في الوقت الذي يعيش فيه غالبية أطفال العالم بأمان ويتمتعون بحياةٍ هانئة، يقضي الأطفال في الأراضي الفلسطينية عموماً، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، ظروفًا استثنائية تحت الاحتلال والعدوان والاعتقال والتشريد، في انتهاكٍ واضح لكل القوانين والأعراف الدولية.

تحت وطأة تلك الظروف مجتمعة، يفتقر الأطفال الفلسطينيون إلى الحياة الطبيعية التي يستحقونها كأطفال، ويتعرضون لمخاطر نفسية وجسدية خطيرة؛ ما يعرضهم لمأساة يصعب تجاوزها وتبقى آثارها جليّة على حياتهم ومستقبلهم.

الطفلة ليليان مدوخ واحدة من 6 أطفال ضمن ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (مايو. 2023)، الذين خسروا أرواحهم دون النظر إلى حقوقهم بحياةٍ كريمة وعيش حُرّ.

وكانت ليليان (8 سنوات) التي تقطن في حي الصحابة وسط مدينة غزة، قد اقتنصت النظر من نافذة البيت، بعدما أفزعها صوت قصف في المحيط، فاخترقت شظيّة رأس الصغيرة وأوّدت بحياتها إلى الأبد، وتركت تساؤلًا في نفوس الأطفال إذا لم نأمن في البيت، فأين الأمان؟ 

بالفعل، لم يكن هناك مأمن لأطفال القطاع خلال العدوانات المتفرقة على غزة بما فيها الأخير، إذ تشير المعطيات إلى أنه بلغ عدد القتلى من الأطفال خلال عام 2023  (8 أطفال) موزعين على ثلاث محافظات، ستة منهم في غزة وحدها، أما الاثنان الآخران ففي دير البلح واحد وفي رفح آخر.   

وحسب بياناتٍ رسمية ودولية، فقد قتل الاحتلال الإسرائيلي نحو ألف طفل منذ بدء العمليات العسكرية على قطاع غزة عام 2008 وحتى اليوم الذي شهد نحو (5) عدوانات إلى جانب مئات الأطفال الذين تعرضوا لضروب مختلفة من الاعتداءات.   

ولم تتوقف الانتهاكات عند القتل فقط، بل امتدت إلى صنوف أخرى، فكانت النسب الأكبر في الإصابات التي طالت (64) طفلا من جميع المحافظات بلا استثناء خلال عام 2023، وجاء العدد الأكبر في محافظة شمال غزة بواقع (22 إصابة طفل)، بينما كان عدد الإصابات الأقل من الأطفال في محافظة دير البلح بواقع ثلاثة فقط. 

في العدوان الإسرائيلي الأخير (مايو 2023) كان أكثر ما يدمي القلب أمام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، هو مشاهد تفزع الأطفال وحرقتهم وبكائهم، خاصّة المصابين منهم الذين عايشوا الأمرّين (الإصابة والهلع) معاً.

ووفقًا لمركز الميزان لحقوق الإنسان، لم تنحصر الانتهاكات بحقّ الأطفال على فترة العدوان فقط، إنما توزعت على كافة الشهور، منذ مطلع هذا العام في يناير وحتى يونيو الماضي.  

وتنوعت تصنيفاتها ما بين (قتل وإصابة)، (الاعتقال والاحتجاز التعسفي)، (الاعتداء على المستشفيات والمدارس)، و(التهجير القسري وهدم المنازل).

إلى جانب هذه المآسي عادةً ما تضع قوات الاحتلال عراقيل أمام سفر الأطفال للعلاج بالخارج، خاصّة لأطفال قطاع غزة الذي يعاني ويلات الحصار منذ أكثر من 16 عامًا، فيمنع الاحتلال إصدار التصاريح اللازمة للمرور والسفر خارج القطاع.

من هؤلاء الأطفال، عمر ياغي (9 شهور) الذي توفي نتيجة تعثر إجراءات استكمال علاجه بالداخل المحتل. وكان الطفل يعاني من مرض في القلب وبدأ في رحلة علاجه في مستشفى تل هاشومير فيما حصل على موعد بتاريخ 24/5/2020.

غير أنّ الطفل ياغي لم يتمكن من السفر للعلاج؛ لعدم حصوله على تصريح ثم حصل على موعدٍ آخر بعد نحو شهر، لكن حالته ساءت ودخل قسم العناية المركزة في مستشفى الرنتيسي بمدينة غزة حتى أُعلِن عن وفاته في 18/6 من العام نفسه. 

ولم يكن ياغي الطفل الوحيد الذي لم يتمكن من السفر للعلاج بالخارج، إذ رصد مركز الميزان في تقرير إحصائي يتناول الانتهاكات الموجهة ضدّ الأطفال في أوقات النزاع المسلح في قطاع غزة خلال النصف الأول من عام 2023، عدم حصول (10) أطفال آخرين على تصاريح للسفر بغرض العلاج بالخارج، و(9) آخرين ما يزالون قيّد المتابعة.

و حفظت اتفاقية حقوق الطفل له كرامته في المادة (16) التي نصّت على أنه لا يجوز أن يجري أيّ تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته. 

لكن على أرض الواقع نجد أنّ الأمر مختلف تمامًا، فقد كان من أشدّ الانتهاكات بشاعةً في حقّ الأطفال وفقًا لتصنيف ورصد الجهات الحقوقية، هو الاعتقال الذي طال (9) أطفال من محافظتي شمال غزة ودير البلح، التي وصفها تقريرًا صادرًا عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بـ"التعذيب والمعاملة اللاإنسانية".

ومن تلك الأساليب ما تعرض له الطفل (ع. م) الذي اعتقل من مركب العائلة في عِرض البحر شمال غزة، بصحبة عمّه وجدّه، عندما حاصرتهم زوارق إسرائيلية واعتدت عليهم ونقلتهم من بحر غزة إلى ميناء أسدود.

فيما لم يكن الطفل حيّنها قد بلغ سنّ "الحادية عشرة" من عمره، ووفقًا لإفادة المركز الحقوقي فقد تم احتجازه في ظروفٍ قاسية ومخيفة، إذ تعرض لعنفٍ لفظي وإذلال وتخويف، واقتاده جنود الاحتلال وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين دون أن يخبروه سبب الاعتقال، وفصلوه عن عمّه وجدّه واقتادوه إلى جهةٍ مجهولة لعدّة أيام حتى أفرجوا عنهم جميعا. 

إضافة إلى ذلك تعددت الأساليب لتشمل عنفًا لفظيًا وتخويفًا، التعرض للشبح، عنف جسدي، تجريد الملابس خلال التفتيش، لم يجرِ إخبارهم بسبب الاعتقال، منع الاستشارة القانونية، بجانب تعصيب الأعين وتكبيل الأيدي، ومنهم مَن تم اعتقالهم ليلًا. 

أمام هذا الواقع، قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إنّ "أكثر من 1300 شكوى تعذيب ضدّ السلطات الإسرائيلية قدِمت لوزارة العدل الإسرائيلية على مدار عشرين عامًا (2001-2021)، ولم يتمخض ذلك إلا عن فتح تحقيقيين ودون أيّ إدانة".

الأمر الذي يُشير إلى أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي مست جوهر ما نصّت عليه اتفاقيات حقوق الإنسان والطفل دوليًا ومحليًا، وكشفت بوضوح ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الفلسطينية في المحاكم الإسرائيلية، دون احتمالية أن ينال هؤلاء الأطفال أدنى حقوقهم.