ما هي قصة "الماشطة" ولماذا اندثرت مهنتها؟ 

ما هي قصة "الماشطة" ولماذا اندثرت مهنتها؟ 

قبل بضعة عقود، كانت مهنة "الماشطة" شائعة جدًا في قطاع غزة، وكانت النساء الماشطات البسطاء في مظاهرهن، يمتلكون مهارات عالية في إضفاء السحر والجمال على النساء عموماً والعرائس بوجه خاص.

والماشطة هي امرأةٌ تُحْسن المَشْطَ وتتَّخذ ذلك حرفة لها، وهي التي تُزَيِّن العَروسَ، أو النساء عموماً، حيث تملك مهارة إزالة شعر الوجه وتهزيب الحاجبين باستخدام الخيط والملقط. واشتهر مثل عربي قديم بين الفلسطينيين للدلالة على عمل الماشطة (ماذا تفعل الماشطة في الوجه العكر)، معناه أن الوجه الذي يجمع صفات النكد والقبْح وفقدان الجمال؛ لا تصلح معه زينة أو أدوات المكياج أو ما شابهها من عدّة التجميل التي تحملها "الماشطة" في جعبتها.

في حقب زمنية سابقة، كانت العروس الفلسطينية تعدُّ وتجهّز لحظة دخولها القفص الذهبي بأتمتة فنّية على أيدي الماشطات اللواتي ينتشرن في الحارات. وكانت تُعتبر القرية أو الحيّ بأكمله كعائلة واحدة، فكانت الماشطة تعرف جميع العرائس ويجري حجز موعد معها حسب تاريخ حفل الزفاف، لإبراز جمالهن وتميزهن في هذا اليوم.  

تروي السيدة مريم العبد (67 عاماً)، إنها تعلمت فنون الماشطة منذ صغرها وأتقنت استخدام الخيط في إزالة شعر الوجه واكتسبت ذلك من خالتها، حيث نقلت إليها التجربة بالمشاهدة، "كنت شاطرة وعيني نقدة"، في إشارة إلى أنّها كانت محنّكة منذ طفولتها، ولمّا كبرت أصبحت من أمهر الماشطات في تزيين النساء وتهذيب حواجبهن.

وأشارت السيدة العبد وهي جدة لأكثر من 20 حفيداً، إلى أن طقوس تجهيز العروس كانت تبدأ قبل الزفاف ببضعة أيام، ويكون الاعتناء بها من شعرها إلى أخمص قدميها، فقبل تسريح الشعر تنقعه الماشطة لها بزيت الزيتون لمدة ساعتين ثم تغسله فيما يسمى بحمام الزيت فيصبح مسترسلاً كالحرير.  ناهيك عن استخدام الحناء في تزيين كفة يديها.   

وعرفت النساء طرقًا لإزالة شعر الوجه والجسم منها ما يزال تُستخدَم إلى اليوم، ومنها الاعتماد على بَكرَة الخيطان إذ تزُم السيدة شفتيها فوق خيطٍ رفيع مقوى، تحشره بين أسنانها بعد أن تقوم باختباره مرة واثنان قبل الاستخدام لئلا يخذلها وينقطع بينما هي تهذب حاجبا العروس.  

يضاف إلى هذا الأداء، بحسب الجدة العبد، جهد آخر تبذله الماشطة يتعلق بإزالة شعر الجسم للعروس، اعتمادًا على "الحلاوة" وهي الطريقة التقليدية في إزالة شعر النساء، وتصنع عن طريق خلط كوب من السكر وملعقتين من الماء وملعقة من عصير الليمون، ثم يوضع الخليط على النار حتى يتحول لعجينة طرية ومتماسكة يسهل فردها على الجلد. كل ذلك كان يسبق ظهور أدوات الحلاقة والكثير من معدات التجميل التي تستخدم اليوم.

وقالت إن الكثير من النساء اليوم لا يعرفن شيئا عن معاناتنا سابقا في صناعة وتحضير أدوات التجميل، حيث إن لكل منها قصة.   

وتشرح، عادة ما كان يبدأ التزيين بالكحل، وتكون الماشطة قد جهزت الكحل العربي قبل فترة، عن طريق وضع قطعة قماشية في زيت الزيتون، ثم وضعها في إناء على النار المشتعلة حتى يصبح الإناء ساخناً جداً. يتم وضع طبق معدني فوق الإناء الساخن، وذلك لجمع الدخان الأسود الذي ينبعث من الحرق والحفاظ على لون الكحل، ويتم الانتظار حتى يتم حرق القطعة القماشية بالكامل وتتحول إلى رماد، وبهذا يصبح الكحل جاهزاً للاستخدام.

أما عن أحمر الخدود فأشارت الماشطة إلى أنه كان يصنع من الأزهار الحمراء كزهر الحنون وغيره، تجمعها وتجففها وعند الفرك تصدر غبار أحمر تضعه للعرائس على وجوههن فيكسب خدودهن لونًا مشربًا بالحمرة يعطي جمالًا أخاذًا.

لم تقتصر مهمة الماشطة على تجميل العرائس؛ بل كانت تأتي للنساء في بيوتهن وكان لها تسعيرة محددة "أجرة"، وتأتي في فترة ما قبل الظهيرة تحديدًا إذ يكون الرجال في أعمالهم، فوفقًا لثقافة المجتمع حيّنها كان من "العيب" أن يرى الرجل زوجته وهي تتجمل. 

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الُعرف الاجتماعي يُحتم على النساء في ذلك الزمن ألا يذهبن للماشطة في بيتها، على الرغم من أنهم يقطنون في حيٍ واحد، وإنما تأتي هي لبيوتهن وذلك أيضًا كونه لم يكن من اللائق أن تكشف المرأة عن شعرها في بيتِ يملكه رجلٍ غريب حتى لو لم يكن صاحب البيت موجودًا لحظتها.

وكانت من ضمن أعمال الماشطة أيضًا صناعة العطور يدويًا من خلال تقطير الأزهار ذات الروائح الفواحة لا سيما الأعشاب العطرية كالنعناع والريحان والعطرة وغيرها، وكانت تستخدمها النساء لتعطير أجسادهم وملابسهن على حدٍ سواء، فكانت عادةً ما تفوح العطور من دواليبهن. 

وعلى ما يبدو أن هذه المهنة ارتبطت بالفقر، فالنساء اللواتي مارسنها في الغالب  ينحدرن من أسر معوزة، وكن يساهمن في إعالة أطفالهن، في وقت لم يكن هناك أثرا لما يعرف اليوم بـ"مراكز التجميل، أو صالونات التجميل".   

عُرفت الماشطة بمهارتها في إبراز جمال النسوة، ولم تكن مجرد حرفةً، بل كانت رمزًا للقوة والجمال. إنها تذكرنا بأننا لا نحتاج إلى الكثير لنحقق السعادة والتأثير الإيجابي في حياة الآخرين. قد يكون ما نملكه بسيطًا، لكن بمثابة شيء ثمين يمكننا به تحقيق أثر لمن حولنا.