الشاطئ والحيوانات: تحديات الاستجمام في بحر غزة

الشاطئ والحيوانات: تحديات الاستجمام في بحر غزة

يعكر استحمام بعض الحيوانات في بحر قطاع غزة الصفو العام، وهو أمر يثير الجدل ويولد مخاوف صحية لدى فئة كبيرة من السكان. ويُعتبر البحر واجهة سياحية مهمة ومركزاً للاستجمام الوحيد لما يقرب من 2.17 مليون نسمة يعيشون في محافظات القطاع الخمس؛ إلا أنّ مشهد استحمام الحمير والخيول في البحر يُشير إلى وجود ظاهرة تستدعي الاهتمام والتدخل.  

يضطر سكان القطاع الاعتماد على الشاطئ كمتنفس أساسي للاستجمام، في ظلّ ارتفاع أسعار استئجار "الشاليهات" الخاصة خلال موسم الصيف والتي يتراوح استئجار الواحد منها لمدة 12 ساعة، بين (250-800 شيكل)، في وقت يعيش فيه  81.8% من السكان تحت خط الفقر.

وكانت وزارة الداخلية في غزة، قد أعلنت عن أن نحو نصف مليون مواطن قضوا أوقاتهم بالاستجمام على امتداد الشريط الساحلي لقطاع غزة، وذلك خلال موجة حر ضربت القطاع في بداية الشهر الحالي. 

ورغم الأعداد الكبيرة، لم تسجل الداخلية أي حوادث تعكر صفو المواطنين، لكن "آخر قصّة"" سجلت مشاهدات متكررة لاصطحاب أصحاب الحمير والخيول للاستحمام في مياه البحر؛ ما أثار انزعاج عددٍ من المواطنين لأسباب مختلفة.

أحد هذه الأسباب ذكرها المواطن محمد ناهض (40 عامًا)، والذي عد الأمر بأنّه سلوك خطير يخشى أن يتسبب بأمراض جلدية لأبنائه، وقال، "في أحيان كثيرة اصطحاب عائلتي للجلوس على شاطئ بحر غزة، لكن عندما أرى مشهد الحمير التي تغتسل في البحر أنزعج بشدّة وأدعو الأطفال لعدم السباحة".

ووفقًا لما أفاد به مدير دائرة الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بغزة، طاهر أبو حمد، فإنّ عدد الثروة الحيوانية من فصيلة الحمير في قطاع غزة يُقدّر بحوالي 1200 حمار. وعلى الرغم من هذا العدد الذي يعد قليلاً إلى حد ما، إلا أنَّ مشهد استحمام هذه الحيوانات في البحر هو أكثر ما يؤرق المواطن "ناهض" والمئات غيره عندما يذهبون للاستجمام.

ووفق إفادة عدد من السكان، فإنهم يحاولون جاهدين البحث عن مناطق آمنة للسباحة وخالية من الحيوانات في الوقت نفسه، وهذا أمر يصعب أن يتحقق في أوقات الذروة على امتداد الساحل الذي يفيض بالمصطفين.

تفيد الطبيبة المختصة بالأمراض الجلدية هداية الدعليس، أنّ بعض الأفراد يُصابون بالأمراض الجلدية عند السباحة في المناطق الملوثة، خاصّة القريبة من مَصَبات الصرف الصحي ومناطق السباحة المتكدسة.

وعززت الطبيبة الدعليس مخاوف المواطنين، من أنّ السباحة في الأماكن الملوثة تُسبِب الالتهاب الجلدي أو العدوى البكتيرية. ونصحت بالسباحة في الأماكن المخصصة المُعلن عنها من الجهات المختصة. 

وفيما يتعلق بتسبب دخول الحيوانات إلى مياه البحر بتلويثها، قال مدير دائرة صحة البيئة بوزارة الصحة خالد الطيبي، "إنَّ هذه الظاهرة تؤثر على مياه البحر؛ لأن المخلفات الحيوانية فيها نوع من البكتيريا مقاومة للملوحة بدرجة كبيرة جداً"، مشيرًا إلى نسبة التلوث في مياه البحر بلغت 35%. 

وحول جهودهم في دائرة صحة البيئة في منع تكرار مشاهد اغتسال الحمير والخيول في البحر، أشار الطيبي إلى أنّهم عملوا على التنسيق مع البلديات في محاولة لمنع ومحاربة الأمر في مناطق واسعة من القطاع.

وقال الطيبي في حديثٍ لـ "آخر قصة"، "خلال تواصلنا مع البلديات، كانت بلدية غزة الأكثر تعاونًا في هذا المجال وعملت على مخالفة أصحاب الحيوانات ومنعها الدخول للشاطئ". 

على نحوٍ آخر، وصفت المواطنة سلمى محمد (25 عامًا)، مشهد استحمام الحيوانات في البحر بـ "غير الحضاري"، وقالت: "هذه الظاهرة تجعلني أكره الجلوس على الشاطئ، كما أنّ الكثير من الأطفال والكبار يجلسون هناك وعند مرور جمل أو حصان يركض قد يتسبب لأحدهم بأذى، فأصبحت وعائلتي نفضل الذهاب إلى الشاليهات المغلقة".

وفي الوقت الذي وجدت سلمى وعائلتها فيه مهربًا من المشهد "الغير حضاري" عبر الشاليهات الخاصة، يشتكي مواطنون آخرون من عدم قدرتهم على دفع قيمة إيجار هذه الشاليهات في ظل تدني مستويات الدخل، الأمر الذي يجعل التعامل مع شاطئ البحر كمتنفس مجاني، أمر لا مفر منه. 

وفي مطلع الشهر الجاري أكد جهاز الشرطة في قطاع غزة، وعبر تصريح صفحي، على منع اصطحاب الحيوانات على الشاطئ أو الدخول بها في البحر، وذلك حرصاً على سلامة المواطنين وعدم تعكير الصفو العام.

وقال المتحدث باسم جهاز الشرطة أيمن البطنيجي إنّهم يتخذون إجراءات فورية وميدانية بحق المُخالفين. وأهاب بجميع مالكي الحيوانات الالتزام بالتعليمات وعدم التسبب بالأذى أو الإزعاج للآخرين.

غير أنَّ المواطن مصطفى محمود (27 عامًا) أشار إلى أنّه رغم نشر لائحة إرشادات من وزارة الداخلية، ومنها عدم اصطحاب الحيوانات إلى الشاطئ؛ إلا إنهم ما يزالون يشاهدون عدم التزام البعض بالقرار. ودعا إلى ضرورة أخذ إجراءات أكثر صرامة تجاه الأمر.

وردًا على ذلك قال البطنيجي لـ "آخر قصة"، إنَّ الشرطة مستمرة في إجراءاتها ومتابعتها لمنع إدخال الحيوانات بشتى أنواعها للشاطئ ومياه البحر، وطالب المواطنون بالمساهمة في تطبيق القرار باعتبارهم شركاء في الحدّ من هذه المشاهد المتكررة.

وحول الإجراءات الحكومية فيما يتعلق بزيارة الحيوانات للبحر، قال رئيس قسم الواجهة البحرية في جهاز الشرطة عبد الرحمن حميد إنه "يوجد فريق ضبط تنظيمي هدفه الحفاظ على النظام العام على الشاطئ والحدّ من التعديات و"الكارات" التي تشغل أماكن المواطنين بشكل مجاني".

وأوضح حميد أنَّ وظيفة الشرطة البحرية الأساسية منع وصول الحيوانات إلى الشاطئ، إذ تُساعد البلدية في إخراجهم والتقليل من هذا السلوك، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات تتم في حال وصلت شكوى.

ويتطلب القضاء على ظاهرة استحمام الحيوانات في مياه بحر غزة، تعاون المؤسسات المحلية والحكومية والمجتمعية للتصدي لها وحماية بيئة البحر وصحة السكان، إذ ينبغي أن يستمتع السكان بالشاطئ بطرق صحية وآمنة، من خلال محافظة جميع الجهات على سلامة وجودة المياه والبيئة البحرية في قطاع غزة.