تعاني السوق المحلية في قطاع غزة من ضعف ملحوظ في حركة الشراء والبيع قبل قدوم عيد الأضحى المبارك. يشعر التجار وأصحاب المحال التجارية بخيبة أمل كبيرة، حيث يعد هذا الموسم فرصة مهمة لتحسين أوضاعهم المالية. ومع ذلك، يشتكي الكثير من قلة الإقبال والتراجع في حركة التسوق.
المتفحص لحالة السوق، يدرك أن القدرة الشرائية للمواطنين تعتمد بشكل كبير على استلام رواتب الموظفين، سواء كانوا يعملون في السلطة الوطنية الفلسطينية أو تحت إدارة حكومة قطاع غزة، ويُعتبر هؤلاء الموظفون الأكثر استقرارًا ماديًا بين الفئات المختلفة-رغم القيمة المالية المستقطعة من الراتب من كلا الحكومتين- بالمقارنة مع العاطلين عن العمل والذين يبلغ عددهم 239 ألف شخص، وفق نتائج مسح القوى العاملة.
يجلس الباعة في محلاتهم طوال اليوم، من الصباح حتى منتصف الليل، ومع ذلك يواجهون صعوبة في جذب الزبائن والمتسوقين لشراء الملابس. يقول محمد مشتهى وهو صاحب متجر وسط مدينة غزة، إنهم يبذلون جهودًا إضافية في الترويج لمنتجاتهم وتقديم عروض خاصة وتخفيضات لجذب المزيد من الزبائن، على أمل تنشيط الحركة التجارية.
يشير تاجر آخر يدعى حسين أحمد (45 عامًا)، يدير متجراً لبيع ملابس الأطفال، إلى أن تأخير وصول البضائع من الجانب الإسرائيلي يؤثر سلبًا على عملية البيع والشراء في كل موسم تقريبًا.
الخيبة ذاتها يشعر بها البائع محمد مصطفى (35 عامًا)، وهو صاحب متجر لبيع الملابس النسائية في مدينة دير البلح وسط القطاع، إذ قال إن ضعف الحركة التجارية، ستؤثر على مستقبل بضاعته، وتتعاظم لديه مخاوف بتكدسها.
وأضاف مصطفى "على الرغم من توفر بعض العروض في المتجر، لكن الحركة الشرائية محدودة جدا، رغم أن الأعياد عادةً تعتبر فترة نشاط اقتصادي للتجار.. إذا لم تباع هذه البضاعة خلال العيد فمتى يمكن أن تباع؟" يتساءل والامتعاض جليًا على وجهه.
يعول الرجل، على صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقراً لها، من أجل إحداث تغيير في حركة البيع في الأسواق المحلية، خاصةً فيما يتعلق بملابس العيد.
ويشهد قطاع غزة ارتفاعًا في معدلات البطالة إذ بلغت 45% وفقاً لوزارة العمل في غزة، فيما يتنامى عدد الأسر التي تعيش تحت خط الفقر الوطني، وهذا بطبيعة الحال يشير بشكل واضح، إلى أن الحركة الشرائية تعتمد على مصادر محدودة وتتأثر بتقلباتها.
في الماضي-قبل فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة 2007- كانت الأسواق تزدحم بالزبائن قبل الأعياد بنحو أسبوعين. بيد أنها اليوم أصبحت اليوم تقتصر على يومين فقط قبل العيد.
ومن المقرر أن يجري صرف رواتب الموظفين العموميين غدًا الاثنين (25/6/2023)، الأمر الذي يعني بالنسبة للتجار حدوث تغيير إيجابي في الحركة الشرائية وتحسين الأوضاع المالية للمواطنين، لكنها تبقى مجرد تخمينات، إذ إن الظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطنون وبخاصة مع تزاحم المواسم، تجعل الكثير منهم يقتصدون في الإنفاق، ويكتفون بشراء كسوة عيد مرة واحدة في العام (خلال عيد الفطر).
ولا تعد أسواق الماشية أفضل حظاً، إذ يشتكي تجار المواشي من ضعف الإقبال على شراء الأضاحي هذا العيد.
ويتوفر في قطاع غزة ما يزيد عن 17 ألف عجل، فيما يزيد عدد الخراف عن 20 ألف رأس، وهي كمية تقول وزارة الزراعة بغزة، أنها تناسب استهلاك السوق المحلي، غير أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها السكن، فضلا عن زيادة أسعار لحوم الاضاحي مقارنة بالعام الماضي، قد تحول دون استهلاك هذا العدد من الأضاحي.
ووفق تقديرات محلية، فإن قيمة الزيادة على أسعار الأضاحي، تأتي بنسبة تقديرية 2.5 شيكل لكل كيلوجرام من اللحم. على ضوء ذلك يلجأ التجار على ابتكار أشكال جديدة تساعد الراغبين في الأضحية على القيام بذلك، مثل شرائها بالتقسيط على دفعات مالية، أو التشارك بنظام الحصص في رأس العجل الواحد بين ستة وسبعة أشخاص.
في المقابل، تعول الأسر الأشد فقراً في قطاع غزة على لحوم الأضاحي التي تقدمها المنظمات الخيرية سواء المحلية أو الدولية، والتي تشكل داعماً أساسيًا لاحتياجات الفقراء.
وتقول السيدة أمنية عبد العزيز، إنها لم تتمكن من اقتناء ملابس جديدة لأطفالها هذا العيد بسبب تعطل زوجها عن العمل، وبموازاة ذلك تعتمد على صناعة الحساء بمرقة الدجاج، عوضاً عن اللحم.
وأشارت عبد العزيز في العقد الرابع من عمرها من سكان شمال قطاع غزة، إلى أنها تعول كثيرا على لحوم الأضاحي التي تقوم بتوزيعها الجمعيات الخيرية، من أجل تحسين جودة الغذاء الذي تقدمه لأفراد أسرتها السبعة.
ويتقاطع المحلل الاقتصادي أسامة نوفل، مع الاستعراض الذي قدمته "آخر قصة" حول أوضاع السوق المحلية، إذ أكد أن هناك ركودًا واضحًا في الأسواق، سواء فيما يتعلق بشراء ملابس العيد ومستلزماته، أو الأضاحي والمواشي.
وأرجع نوفل الأمر، إلى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين وبخاصة المستفيدون من برنامج الدعم الحكومي للأسر الفقيرة والمعروف بـ(شيك الشؤون الاجتماعية)، وكذلك الموظفون في السلطة الوطنية وموظفي حكومة غزة، بالإضافة إلى موظفي الأونروا والقطاع الخاص. ولم يتلق جميعهم رواتب شهر يونيو إلى الآن.
وأوضح أن هذه الظروف تؤثر سلبًا على القطاع بشكل عام، بما في ذلك الوضع الاقتصادي وحركة البيع والشراء. ويعاني التجار من خسائر فادحة جراء هذا الركود.
وفيما يتعلق بالحلول المقترحة، يترقب السكان معرفة مواعيد صرف رواتب الموظفين في القريب العاجل، على أمل أن يحدث ذلك تحسنا في الحركة الشرائية ويستقبل المواطنون العيد بأوضاع جيدة.