في ظلّ الاحتفال باليوم العالمي للموسيقى الذي يصادف (21. يونيو) من كل عام، يعيش قطاع غزة تجربة فريدة تتجاوز التحديات اليومية وتعكس روح المنطقة وحياة سكانها. فعلى الرغم من الظروف الصعبة، تنطلق أصوات متنوعة تجتمع لتؤلف سمفونية غزة الخاصة.
في شوارع المدينة، يتجول الباعة المتجولون وسيارات بيع مياه الشرب والغاز والمثلجات، حاملين معهم أصواتهم المميزة. تجد نفسك تُمَيز صوت موسيقى سيارات بيع المياه، التي تنبهك لتفقد جالونات الماء الخاصة بك، وموسيقى عربات بيع "الآيس كريم" التي تجذب الأطفال لشراء المثلجات وتلهيهم عن لعبهم.
وتختلط هذه الأصوات بأصوات بائعي الخضروات والكعك والمنظفات، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس.
يقول الخمسيني أبو محمود: "رغم الإزعاج لكننا تعودنا على هذه الأصوات التي تضفي على رتابة الأيام شيئًا من الحيوية، حتى أننا أصبحنا نفتقد أحد باعة العربات المتجولين إذا غاب فترة عنا فقد كوننا معهم علاقات جيدة".
وأضاف المواطن أبو محمود "عدم قدرة بعض الباعة على شراء مكبر صوت نظرًا لضيق الحال؛ جعلهم يُميزون أنفسهم بموسيقى خاصّة بهم، أصبحنا نعرف بائع المياه من بياع المنظفات وغيرهم".
وتتردد الأصوات التي تمتاز بها غزة على الراديو أيّضًا، لاسيما برنامج "صوت البلد" الذي يُعرَف بقاعدته الجماهيرية العريضة، ومن خلاله يتصل المواطنون لعرض مشاكلهم والوصول إلى المسؤولين.
وعبر الراديو أيضًا تجد من الأصوات؛ ما يعكس جانب أصيل من ثقافة أهالي هذه المدينة وهي التلاوات القرآنية للشيخ عبد الباسط المفضلة لدى الكثيرين، والتي تعمل على نشر الهدوء والروحانية في المدينة.
هذه الأصوات وغيرها تغمر فترة الصباح في قطاع غزة، التي يسمعها المارون من أمام المحال التجارية أو ركاب سيارات الأجرة. ولسائقي التاكسي حكايات مع صنع موسيقى غزة الخاصة، منها زامور السيارة الذي قد لا تسمعه إلا شوارع غزة، وغيرها الكثير.
يقول سائق التاكسي سالم عبد الله (33 عامًا)، الذي يخوض زحمة الصباح يوميًا في شارع الجامعات بمدينة غزة، إنّه لابد من أن يسمع أغاني فيروز مع كوب قهوته الثقيلة. ويبتسم وهو يتحدث عن الراديو ويصفه بـ "حبيبنا اللزم" وهو مصطلح غزي يُراد به الشيء المقرّب.
وللمساء أيّضًا طقوس خاصة لسائقي التكاسي، إذ يُقلِّب سالم عجل الراديو لسماع أغاني أم كلثوم، ويرى أنّ صوتها المميز ينسجم مع عمل المساء الذي يُعدّ أخف حدّة وأقل إزعاجاً من حيث زحام الشوارع وعدد الركاب وطبيعة الطقس، وهذا ما يسمعه معظم السائقين، وفق قوله.
ولكن ليست جميع الأصوات في غزة مُحَبَبة أو مُرحب بها ويمكن التعايش معها. فهناك أصوات يُمكن وصفها بـ "المرعبة"، إذ تعكس التحديات الأمنية والسياسية التي يواجهها السكان، ومنها أصوات طائرات الاستطلاع أو ما يُصطلح عليه في غزة بـ "الزنانة" التي لا تُغادر سماء المنطقة.
وفي أوقات التصعيد الإسرائيلي ضدّ القطاع، تتداخل أصوات طائرات الاستطلاع التي تُعد نذير شؤم بالنسبة للناس في غزة، مع أصوات الطائرات الحربية والقذائف والصواريخ.
على الرغم من أن هذه الأصوات قد تشكل إزعاجًا بالنسبة لبعض الأشخاص، إلا أنها تُميز البلد وتعكس هويتها الفريدة. ومع ذلك، ينبغي أخذ الأمور بعين الاعتبار والبحث عن حلول بيئية وصحية تقلل من تأثير الضوضاء على حياة السكان وصحتهم.
ويُمثِل اجتماع الأصوات خاصّة في المناطق الشعبية؛ يُشكِّل نوعاً من الإزعاج لكبار السن والطلاب ويُصَنَف ضمن أنواع التلوث البيئي.
ويُعرِّف قانون البيئة "الإزعاج البيئي" بأنّه كل ما ينشأ من ضيق أو ضرر سواء مادي أو معنوي عن الضجيج أو الضوضاء أو الاهتزازات أو الإشعاعات، أو الروائح الناتجة عن نشاطات الإنسان أو المنشآت أو وسائل النقل وغيرها، الذي يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية وممتلكاته.
بدوره أفاد رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية، أحمد حلس، بأنّ الضوضاء الصادرة عن مكبرات الصوت والزحام وموسيقى العربات المتجولة تتسبب بالأثر السلبي الصحي والنفسي والبيئي الكبير.
وأشار حلس إلى أنّها تشكل إزعاجًا لمختلف الفئات بما فيها الأطفال والطلبة والمرضى وكبار السن، "دون مراعاة لخصوصية الوقت والظروف والحق في الصحة العامة"، حسب قوله.
ربما يعكس واقع أصوات قطاع غزة التي تصنع موسيقى خاصة، شيئًا من التراجع الثقافي في الانضباط، ما بين أصوات الباعة المتجولين وزامور المركبات الذي لا يتوقف وأصوات طائرات الاحتلال.
وعلى الرغم مما تُشكّله هذه الأصوات من سمة خاصة في القطاع؛ إلا أنّه يُفضَل الأخذ بعين الاعتبار سُبلًا لتقليل تأثير الضوضاء على حياة السكان عامّة.