في جولةٍ داخل الأسواق الشعبية ومنها سوق اليرموك في مدينة غزة، سيفاجئك كمية ونوعية الطيور المحبوسة في أقفاص من السلك المعدني الدقيق يدوي الصنع بكميات هائلة، وقد ينتابك الاستغراب عندما تدرك أنَّ هذه الطيور النادرة كالهدهد وطائر المينا والدرة تعرض للبيع بجانب الدجاج والحمام بأثمان زهيدة.
وقد يكون السبب واقعة سوء حظ بعض الطيور في غزة، حيث تكون فريسة لشِباك الصيادين وأفخاخهم أو لبنادق صيد تستخدم دون قيود.
وصف أستاذ العلوم البيئية في الجامعة الإسلامية عبد الفتاح عبد ربه وهو باحث أيضا في المجال ذاته، أنَّ ما يحدث صيد جائر بلا قيود ولا أخلاقيات، و يمارس بدون أي اعتبار للبيئة.
ويُعرَف الصيد الجائر بأنّه عملية صيد للطيور والحيوانات البرية والبحرية والأسماك المحددة باللائحة التنفيذية في قانون رقم 7 لسنة 1999 بشأن البيئة، دون الأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي والثروة الحيوانية؛ مما يساهم في إحداث خلل في التوازن البيئي والتنوع الحيوي.
ووفقا للمادة 41 من قانون رقم 7 لسنة 1999 بشأن البيئة، يُحظَر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والبحرية والأسماك المحددة باللائحة التنفيذية لهذا القانون، ويُحظَر حِيازة هذه الطيور والحيوانات أو نقلها أو التجوال بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة كما يحظر إتلاف أوكارها أو إعدام بيضها.
يصعب الحديث عن هذا الأمر من منظور الباحث "عبد ربه" في ظلَّ الفقر المتفاقم في قطاع غزة وقلّة فرص العمل وقلّة الأمن الغذائي، الذي يتسبب في أن يلجأ الشباب للأراضي الزراعية والبراري لممارسة هواياتهم في الصيد، وبيع الطيور لإطعام أفواههم وأفواه أبنائهم الفارغة المنتظِرة أي طعام يملؤها.
وقُدِّرت نسبة الفقر في قطاع غزة حسب إحصاءات أصدرتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين 81,8% يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعاني 64% من انعدام الأمن الغذائي، وبلغ معدل بطالة الشباب الإجمالي 64%.
شبّه عبد ربه صيد الطيور في غزة كالسرقة الخفية والتي لا يستطيع أحد محاسبة الفاعل في ظل عدم تفعيل القوانين والتي أعدها "نصوص أسيرة أوراق"؛ إلا من بعض حملات حماية البيئة التي تحدث بشكل بسيط كل عام أو عامين، والدليل على عدم تنفيذ أي منها هو اكتظاظ أسواق غزة بكل أنواع الطيور، وفق قوله.
وعدَدَ عبد ربه بعض أنواع الطيور التي تقلّص عددها بشكل كبير كطائر الدرة والشنار والمنيا والحسون والفر، مؤكداً أنَّ حوالي 250 نوعًا من الطيور متواجدة في غزة ومعظمها تُصطاد بلا رقابة أو حدود؛ الأمر الذي يهدد اختفاء بعض الطيور من الطبيعة والذي يؤثر على توازنها وجمالها.
ولابد من أنَّ الاستمرار في الصيد الجائر والمفرط يُشكِّل تهديداً للحياة البرية، بحسب عبد ربه، وقد يؤدي لفقر بيئة غزة بالتنوع الحيوي. كما أن الحفاظ عليها كبيئة مناسبة وحاضنة للطيور يُفضل أن يتم عبر خطوات كتفعيل القانون البيئي، وخلق فرص للعمل، والحفاظ على مناطقها الطبيعية كمحمية وادي غزة الخصبة، إضافة لزيادة الوعي البيئي على مستوى السكان.
في الوقت الذي تفقِد فيه غزة سِمَة من سِماتها كما قال رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية أحمد حلس؛ بسبب فقدان عدد كبير من الثدييات والأسماك، فلا زالت عمليات الصيد الجائر وبيع الطيور بالمئات مستمرة حتى كتابة هذا التقرير.
قال حلس في حديثٍ لـ "آخر قصّة" إن ما يحدث هو عملية إغراق للسفينة التي نعيش فيها؛ بسبب مصالح فردية متشابكة يعزوها البعض إلى الفقر وقلّة ذات اليد، وهو ليس مبرراً لتدمير البيئة، حسب رأيه.
وحمَّل مسؤولية ما يحدث في البيئة الغزية من قلَّة أعداد الطيور، والحيوانات، والثروة السمكية، واختفاء التنوع الطبيعي الذي كان ينعم به القطاع، إلى سلطة البيئة وإلى كل مَنْ له دور في حماية البيئة وتنفيذ العقوبات على كل مَن يتخلف عن القوانين البيئية.
وأكَّد أنَّ فرض العقوبات على التجاوزات أمر في غاية الأهمية، وذلك من أجل وضع الحدود، وقال: "من غير الطبيعي اصطياد 200 طائر دويري وبيعها لأحد مطاعم غزة لتكون طعاماً للناس دون مُساءلة أو دون تفكير بالخطر البيئي لهذا الفعل".
أضاف رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية أنَّ الجميع يشترك في المسؤولية الاجتماعية تجاه البيئة، ابتداءً بالتربية والتعليم ومن ثم المؤسسات الثقافية والإعلامية وإدارة حماية التنوع البيئي والحيوي والشرطة الفلسطينية، فلكلٍ منهم دوره المهم في مكانه.
ويناط بسلطة جودة البيئة كافة المهام الإدارية المتعلقة بالبيئة، وفقًا للمرسوم الرئاسي الصادر عام 2002 بتحويل وزارة شؤون البيئة إلى سلطة جودة البيئة مع الاحتفاظ بكافة المهام والصلاحيات.
بدورنا، تواصلنا مع مدير دائرة المختبر والمقاييس بسلطة المياه وجودة البيئة عطية البرش، للتعرُّف على الدور الحكومي تجاه الحد من عمليات الصيد الجائر.
بينما أكّد البرش على أنَّ وزارته ترفض ما يحدث في غزة من صيد جائر وبيع لكميات هائلة من الطيور إضافة لصيد طيور لا تؤكل كالغراب، إلا أنّه قال إنّ سلطة البيئة لا يمكنها منع الصيادين والسيطرة عليهم منفردة؛ لأنَّ الأمر أكبر من حدود سلطتها.
وأوضح أن البيئة مسؤولية جماعية لابد أن تتكاتف فيها جهود جميع المؤسسات المعنية الحكومية والأهلية، مطالباً كل مَن لديه سلطة أن يتحرك لحماية البيئة من الهلاك وخاصّة المنظمات الدولية المَعنية بالأمر ابتداءً من التوعية وتطبيع القوانين وإنشاء مشاريع خاصة بالشباب للاستغناء عن مثل هذه الأفعال التي دفعتهم لها الفقر والبطالة.