يمكن القول إن مداخل مدارس في قطاع غزة وبخاصة الابتدائية، في هذه الأيام التي يختتم فيها العام الدراسي بالاختبارات النهائية، معبدة بأوراق الكتب والدفاتر المدرسية.
يغادر طلبة أبواب مدارسهم، ويمزقون أوراق المواد الدراسية التي يمتحنون بها على باب المدرسة. وهذا سلوك يثير الغرابة والتلوث على حد سواء، لكنه وبكل تأكيد يشكل انعكاساً لسلوك غير حضاري وفق رؤية اجتماعية وتربوية مشتركة.
هذا المشهد الذي يتكرر بشكلٍ نصف سنوي (اختبارات نهاية الفصل الأول والثاني)، كان محفزاً وراء طرح آخر قصة للسؤال: تمزيق الكتب: صرخة تعبير أم سلوك مدمر؟
وقبل أن نضع السؤال على طاولة المختصين، أثرنا أن نستمع لآراء بعض الطلبة ممن قاموا بهذا الفعل (تتراوح أعمارهم بين الثامنة والرابعة عشرة)، وتباينت إجاباتهم، فبعضهم قال إنه ناقم على التعليم وهذا هو الفعل الأمثل للتعبير عن موقفه، والبعض الآخر قال إنه تعبير عن كرهه للمدرسة. وفريق ثالث وصفه بأنه تعبير عن السعادة بانتهاء الاختبارات.
في المقابل، يفسر مختصون نفسيون الأمر بأنه عائد إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها كراهية الطلبة لبعض المواد الدراسية ويذهبون باتجاه تمزيق أوراقها فور الانتهاء من الاختبار، وهناك من يبرر إهمالها لأن الطالب لا يعرف كيف يمكن أن يستفيد منها، أو لأنه يُقلد زملاءه لا أكثر، أو تعبيراً عن سعادته بانتهاء العام الدراسي.
الغريب في الأمر، أنه لا يبدو هناك اختلافا جوهرياً بين آراء طلبة المرحلة الابتدائية عن الثانوية، إذا يصف الطالب محمد علي (16 عاماً) عملية تمزيقه للكتب أثناء خروجه من باب المدرسة في أعقاب الامتحان، بأنه "فشة غِل" وقال: "إن هذه الظاهرة تنتشر بين بعض طلبة مدرسته، وغالبا ما تحصل إذا كان الاختبار صعبا، فيخرج الطلاب من الفصول ويقومون فورا بتمزيق كل ما يخصّ المادة".
وأضاف علي لـ "آخر قصّة"، "نحن نعرف أن هذا السلوك غير صحيح ولكنه يُعبر عن خلاصنا من همّ كبير بعد رحلة دراسية طويلة ومتعبة من صعوبة وتكدس المنهاج".
الطالبة نداء صالح (17) عاماً، تؤكد أن الفعل يشكل ظاهرة سيئة جداً، لكنها لم تفلح في ثني زميلاتها عن القيام به، وبخاصة أنها لا ترى هناك مبررا لارتكابه.
وقدمت الطالبة صالح، نصيحة إلى الطلبة باللجوء إلى طرق أخرى للتعبير عن صعوبة الاختبار أو الفرحة بانتهاء الفصل الدراسي بعيداً عن نثر الأوراق والكتب في الشوارع، منها تقديم اعتراض أو شكوى لمعلم المادة أو الخروج والمشي مع الأصدقاء.
من وجهة نظر تحليلية نفسية قالت المختصة النفسيّة هند بركة إنّ هذه ظاهرة تمزيق الكتب منتشرة بشكل كبير بين الطلبة ومنذ سنوات طويلة، وتحديدًا في المناطق النائية المهمشة وتظهر بقوة في اليوم الأخير من الاختبارات.
وتنتج هذه الظاهرة، وفقًا لبركة، عن ضعف التربية الأسرية للأبناء، فضلا عن طبيعة العلاقة السلبية بين الطالب والمدرس والذي يدفع أحيانا بتعقيدات التعليم إلى التصعيب على الطلبة وفرض قواعد تربية إجبارية داخل الفصل أو ربما داخل المدرسة ككل، وهو أمر يثير الكره بين الطلبة ومدرسيهم.
وقالت بركة في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "يشعر الطالب أثناء تمزيقه للكتب بالراحة والسعادة والتفريغ النفسي الناتج عن القلق والتوتر الذي تعرض له، ويعتقد أنه انتهى من كل واجباته بعد انتهاء الاختبارات، وهذا يدل على شعوره بالتحرر من قيود الدراسة، إلى جانب أنه دليل على عدم الاهتمام بالثقافة والكتاب.
وعن طرق معالجة هذه الظاهرة، أشارت بركة إلى أنه لا بد من رفع مستوى التوعية الكبير لأهمية الكتاب المدرسي مستقبلاً ويجب إخبار الطالب بأن الدراسة مستمرة مدى الحياة وهي ليست فترة مؤقتة كما يعتقد، أنها ترتبط بفترة عمرية معينة.
بلا شك من الضروري توعية الطالب بأهمية العلم في حياته المستقبلية، حسبما أفادت بركة بأهمية أن يكون التدخل من قِبل المرشد في المدرسة كعقد ورش توعية لأهمية الكتاب المدرسي، وما يحتويه من علوم ومعارف عامة ومهمة لتنمية المهارات العقلية والفكرية، وكذلك على الأهل أيضًا.
وحول دور وزارة التربية والتعليم من ظاهرة تمزيق الكتب والأوراق المدرسية، قال مدير العلاقات العامة في الوزارة أحمد النجار، لـ "آخر قصة"، إنَّ الوزارة أطلقت مبادرة نشرت من خلالها بعض الصور بعنوان لُغتي هويتي، لا تُمزق الكتب، لحث الطلاب على وقف هذا السلوك".
وأشار النجار إلى أنَّ الأمر لا داع للحديث عنه، مبررًا ذلك بأنّ سلوك تمزيق الكتب لا يرتقي لكونه ظاهرة منتشرة في كل المدارس داخل قطاع غزة ولا يفعلها جميع الطلبة، رغم تنبيه الوزارة لخطورة الأمر عبر المبادرة التي أطلقتها قبل بضعة أيام التي حذرت فيها الطلبة من هذا السلوك.