بين حينٍ وآخر تظهر سيداتٍ حواملَ على مِنصات التواصل الاجتماعي يتحضرنَ لجلسةِ تصويرٍ تسبقُ ولادتهنَّ القيصرية بكل أناقتهنّ التي يُرافقها المكياج وتسريحة الشعرِ ويلتقطن الصورِ مع الزوج والعائلة قبل الخضوعِ للعملية الجراحية؛ بغرض تسجيل ذكرى ولادةٍ قد يراها البعض تهوين غير منطقيٍ لصعوباتِ الولادةِ القيصرية، في منأًى عما يُتعارفُ عليه من آلام المخاضِ المعروفة بشدِّتها.
يُرجِع أطباء، امتداد آثار هذه الظاهرة إلى طريقة تفكير الأمهات الحوامل التي تتجه إلى استبدال الولادة الطبيعية بالقيصرية دون مُسوغٍ طبي استسهالًا بألمها عن الأولى، إذ يُشهَد ازدياد ملحوظ لنسبة الولادة القيصرية في قطاعِ غزة من 14% في عام 2010 إلى 22% عام 2020.
يشير استشاري الصحة الإنجابية عبد الرزاق الكرد إلى زيادة واضحة في عدد حالات الولادة القيصرية تصل في الوقت الراهن إلى 25% وأكثر وتزيد عن النسبة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية التي تُقدَّر بنسبة 15%، وأرجع هذه الزيادة إلى تَقدُم الطب الذي أدى إلى استهانة الأمهات بالولادات القيصرية وتراكم خبرات الأطباء حول هذه العمليات الذي قلَل من المضاعفات التي كانت منتشرة سابقاً.
تُعرّف الولادة القيصرية بالولادة التي تجري عن طريق جراحة البطن بعيدًا عن الولادة الطبيعية عبر المهبل وتتم بتخدير جزئي أو كامل إذ لا تشعر الأم الحُبلى بأيّةُ آلام أثناء الوضع سِوى ما يتبعها من أوجاع رتق الجرح وتعافيه.
رحبت الشابة العشرينية أفنان فؤاد بإقرار طبيبها المختص لها بالولادة القيصرية حين أنجبت ابنها البِكر نظرًا لضعف جسدها فكانت الطريقة الأنسب لحياة الجنين، تقول لـ "آخر قصة"، "تشجعت كثيرًا فقد كانت أمنيتي منذ بداية الحمل أن ألِد بجراحة قيصرية لأنني لا أحتمل آلام الوضع الطبيعية حسبما أرى من أهوال الطلق فيها".
حتى تلك اللحظة كان الأمر عاديًّا بالنسبة لسيدة يُقرَّ طبيبها الطريقة المثلى للولادة، لكن في حملها الثاني قررت أفنان بنفسها أن تلّد بجراحة قيصرية استهانة بأوجاعها رغم إمكانية حدوث ذلك طبيعيًا، حسب تعبيرها، وتجهزت بأناقة وجمال والتقطت صورًا للذكرى، بينما لم تكن تدرِ عما سيُصيبها من آلام تلت العملية وظلّت تُعاني من مضاعفاتها الصحيّة قرابة العام.
وربما تتعارض قناعةُ هذه الشابة العشرينية مع والدتها الستينية التي أنجبت ثمانية أبناء جميعهم بشكلٍ طبيعي، تُعقِّب أفنان: "أستغرب كيف أمهات زمان كانت لديهم القدرة على إنجاب الكثير من الأبناء بولادات طبيعية، والدتي دائماً تتهكم أننا جيل ضعيف وتَصفنا بالبسكويت".
وترى دكتورة النساء والولادة هيا حجازي، وفقًا لمراقبتها الحالات التي تُراجِع لديها أنّ هناك عددًا من السيدات لديهن مخاوف عديدة حول الولادة الطبيعية وآلام الطلق ويرغبن بولادة سهلة دون أيّ ألم أو إجهاد فأوجاع المخاض معروفة بشدّتها التي توازي حسب تقديرات طبيّة كسر 200 عظمة في جسم الإنسان.
يتوافق ذلك مع ما أفاد به الاستشاري عبد الرزاق الكرد بأنّ عمليات الولادة القيصرية كانت سابقًا نادرة وتهابها نساء غزة اللواتي كُن يُنجبن عددًا كبيرًا من الأبناء يزيد بالمتوسط عن ثمانية، على عكس الوقت الحالي الذي تُقلِّد فيه النساء بعضهن بعضًا وتطلبن بالتوافق مع أطبائهم المختصين الولادة في يوم وتاريخ محددين تختاره الواحدة منهن بعناية وتتحضر له.
تمامًا كما فعلت آلاء عطا (33 عامًا) التي عانت من آلام المخاض المُتعسِر لولادة طبيعية وبعد ساعات لجأ الأطباء لخيار "القيصرية"، تقول، "عايشت آلام الولادتين في حملٍ واحد (الطبيعية والقيصرية) فبعد ساعات طويلة من آلام الطلق الطبيعي دون نتيجة قرر الطبيب تحويلي للولادة القيصرية بعدما أصبح نبض الجنين أقل من المعدل الطبيعي".
لكن السيدة التي وصفت تجربة ولادتها تلك بـ "القاسية" قررت دون استشارة طبيّة أن تلجأ لخيار الوضع قيصريًا في حملها الثاني إذ اتفقت مع طبيبها المختص بإجراء العملية الجراحية قبل أن تُباغتها آلام المخاض الطبيعي، توضح، "بعدما جربت آلام الطلق وصعوبة الولادة قررت ألا أُعيد التجربة مرةً أخرى وذهبت باكراً للولادة القيصرية بكل قناعة".
ورغم استسهال آلاء وأفنان قرار الولادة قيصريًا إلا أنّ الطبيبة حجازي أشارت إلى أن آلام ومُضاعفات "القيصرية" أكثر وأشد من الطبيعية، وأعادت ذلك إلى كون الأولى تبدأ بالتخدير في البداية فيما يعاني البعض من حساسية المخدر وأعراض أخرى كالغثيان والتقيؤ، وتضطر السيدة للإقامة في المستشفى 48 ساعة في حال استقرت حالتها، فيما تغادر صاحبة الولادة الطبيعة المشفى بعد الولادة الطبيعية بساعاتٍ قليلة، كما تُصاحب "القيصرية" جراح تحتاج لأيام حتى تتعافى.
وكذلك قد يتبع "القيصرية" خطر مشاكل المشيمة، مثل المشيمة الملتصقة والمنزاحة بالإضافة لمخاطر ما قبل الولادة وأثناءها وبعدها، بحسب حجازي التي أفادت في حديثها لـ "آخر قصة" أنّه قد تتعرض السيدة في بعض الحالات لخطر استئصال الرحم ونقل الدم في حالات النزيف.
وتُثير تجارب السيدات في الولادة القيصرية تساؤلاً حول الحالات التي تُستوجب اللجوء لهذا القرار طبيًا، إذ يلجأ الأطباء إلى هذا الخيار في حالات مُعينة منها زيادة الماء حول الجنين أو تِبعا لحجم رأسه ووزنه أو في حالة الحمل بثلاثة توائم فأكثر، إضافة لحالات أخرى منها شكل الرحم المُسمى "ذو القرنين" وحالات العُقم وتأخر الإنجاب، أيضًا تكون "القيصرية" أكثر أمانًا لمريضات القلب والأوعية الدموية والولادات البِكرية للمرأة فوق سنّ الخامسة والثلاثين.
بالعودة للاستشاري عبد الرزاق الكرد فقد قال إنّ وجود أجهزة تخطيط الجنين الذي يُظهر حركته ونبضاته في حال حدوث ضائقة مع انقباضات الرحم زاد من عمليات القيصرية والتي تكون خياراً مباشراً لإنقاذ حياة الجنين في حال تعرضه للخطر.
وأشار الكرد في حديثهِ مع "آخر قصّة"، إلى أنّهم ما زالوا في وزارة الصحة يُمارسون دورهم في الرعاية الأوليّة والتوعية المكثفة من خلال الورش والندوات والمناشير حول الولادات الطبيعية لكن الأمر يتعلق بجيل جديد من الأمهات اللاتي يبحثن عن السهولة سواء في اختيار الولادة القيصرية دون الطبيعية أو الرضاعة الصناعية دون الطبيعية.
أما عن وزارة الصحة ورقابتها فيكون الأمر واضحاً في المستشفيات الحكومية التي تتبع البروتوكولات الطبية المنصوصة والتي تقدم الولادة الطبيعية عن الولادة قيصرية أو عدم اللجوء للأخيرة إلا في حال العذر الطبي، بحسب الطبيب الكرد.
ذلك العذر الطبي الذي لا يكون خيارًا أساسيًا في المستشفيات الخاصة التي تعتمد بشكل أكبر على ضمير الأطباء والذين غالباً ما يتم الدخول للولادة القيصرية باتفاق مسبق بينهم وبين السيدة الحامل التي لا ترغب في بعض الأحيان بخوض آلام الطلق والتعب المُرافِقة للولادة الطبيعية، بحسب الكرد الذي قال إنه خيار أسهل للطبيب أيضًا الذي قد تستغرق مراقبته للولادة الطبيعية في بعض الحالات من 6 إلى 10 ساعات.