تدخين السائقين يُهدد صحة الركاب في غزة

في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين

تدخين السائقين يُهدد صحة الركاب في غزة

يُصادف اليوم الواحد والثلاثين من آيار/مايو "اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ" ومع ذلك ما زال التدخين أحد أكبر الأسباب المؤدية للوفاة إذ يقف وراء إزهاق روح واحد من كل عشرة بالغين في شتى أنحاء العالم.

وفي قطاع غزة ارتفعت فيه نسبة استهلاك التبغ من نحو 15% في عام 2010 إلى 17% في عام 2021 من إجمالي الأفراد 18 سنة فأكثر، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدل الفقر لما يصل إلى 81.1%، إلا أن استهلاكه ينشط بين السكان من مُختلف الطبقات المجتمعية.

وتتجلى الظاهرة في معظم الأماكن العامة والخاصّة والمغلقة على حدٍ سواء، بما فيها سيارات الأجرة، والمحال التجارية، وهو سلوك ينمّ عن ثقافة مجتمعية غير متحضرة خاصّة لما له من تأثيرات تحت وطأة "التدخين السلبي"، وفقًا لمختصين صحيين.

في ظلَّ انتشار ظاهرة التدخين داخل المركبات لا سيما سيارات الأجرة التي قد تتسبب بأضرارٍ كبيرة على الركاب، وجّهَت "آخر قصّة" تساؤلاً لعددٍ من السائقين حول كيفية تعاملهم مع الركاب في حال طلب منه إطفاء "السيجارة"؟ 

وتعددت إجابات السائقين حول إمكانية إطفاء سجائرهم نزولاً عند رغبة بعض الركاب واختلفت وجهات النظر. منهم مَن قال "إنه يطفئها على الفور"، وآخر "لا أدخن إذا ركب معي أحد"، أما القسم الأخير فقال، "هذه السيجارة ثمنها شيكل، كيف بدك أطفيها وأرميها"، مُعبرًا عن قيمة الشيكل الكبيرة في ظلّ سوء الأوضاع الاقتصادية.

اشتكت سارة جمال (25 عامًا) التي تقطن في مدينة خانيونس جنوب القطاع، وتقطع يوميًا بسيارات الأجرة مسافة تقدّر بـ (25 كلم) من خانيونس إلى غزة حيث تعمل في إحدى شركات التصميم، من السائقين المدخنين، وعدّت ذلك أكبر المشكلات التي تواجه في رحلة ذهابها للعمل.  

وقالت الفتاة العشرينية لـ "آخر قصّة"، "في معظم المرات التي أستقل فيها سيارة أجرة، يُشعل إما السائق أو أحد الركاب سيجارته من باب التسلية في الطريق الطويلة غير آبهين لنوبات السعال التي تُصيبني في حينها وانزعاجي من الدخان وتقييد حريتي وخجلي من طلب إطفاء سجائرهم".

أما المُسنّ أبو عاطف فتجربته مع تدخين سائقي سيارات الأجرة تبدو أكثر سوءًا من سارة، إذ يُعاني الرجل من أزمة صدرية ويضطر لقطعِ مسافة نصف ساعة في السيارة ذهاباً من البيت للمستشفى بين حينٍ وآخر تكون مُعبقة بدخان سيجارة السائق.

ولا يلتفت بعض السائقين للركاب معهم وأحوالهم سواء مرضى أو كبار في السنَّ فيبدأون بالتدخين وكأنَّ الراكب ملك التاكسي، وفقًا لقوله، وطالب الجهات المعنية باتخاذ قانون يمنع التدخين في الأماكن المُغلقة ومَن يُخالفه يُعاقَب، ّوقال، "لما تطلب من السائق يطفئ سيجارته منهم يرفض ويرد إذا لم يعجبك بإمكانك النزول".

وقد تثير هذه الردود من السائقين استفزاز بعض الرُكاب الذين تختلف أوضاعهم الصحيّة وأحوالهم النفسيّة ويرون في طلبهم بإطفاء السيجارة ذوقًا يتطلب كرمًا من السائق بتلبيته لكن الواقع يختلف بدرجاتٍ متفاوتة.

وعلى نحوٍ ليس بعيد تُعاني مريم محمد (27 عامًا) التي تعمل في أحد المحال التجاريّة، من سلوكيات بعض زملائها المدخنين الذين لا يلتزمون بتعليمات إدارة المحل بالتدخين في أوقات الفسح الخاصة بالغداء وغيره أو التدخين خارج المحل؛ مما يتسبب لها بالأذى الجسدي والنفسي.

وقالت مريم لـ "آخر قصّة"، "المحل الذي أعمل فيه مغلق بطبيعة الحال وعندما يُشعل أحد الزملاء سيجارته فإنَّ المكان يعج بالدخان ورذاذ السجائر فأشعر بضيق نفس وكثيرًا ما حاولت ثنيهم عن هذا لكن دون جدوى فالسيجارة بالنسبة لأحدهم بمثابة الابنة المدللة".

بدوره، أفاد الطبيب المختص في الأمراض الصدريّة حسين العطار، بأنَّ التدخين السلبي واحد من أهم أنواع التدخين التي تؤثر سلبًا على الأفراد المحيطين فقد يكون الرجل يلتزم بنظام صحي معين بسبب مرضٍ ما أو خلافه بينما يجد المحيط به مكتظًا بالمدخنين الذين لا يضعون في بالهم هذه الاعتبارات عندما يُشعلون سجائرهم.

تعد فئة المرضى المصابين بأمراضٍ مزمنة من أكثر الفئات تأثرًا بالتدخين السلبي، وفقًا للعطار، وتتفاوت نسبة المصابين بمرضٍ مزمن واحد على الأقل في فلسطين بين الذكور بنسبة (66%) والإناث بنسبة (76%).

ويتسبب التدخين بأمراضٍ متعددة في جسم الإنسان، بحسبِ الطبيب العطار، منها الأمراض الصدرية على رأس القائمة كانتفاخ الرئة والتهاب وانسداد الشعب الهوائية وهو مرض خطير جداً ويُمكن أن ينعكس على القلب، عدا عن أمراض شرايين القلب والقلب المفتوح.

ولابد أن للإقلاع عن التدخين طرقًا فعالة، ذكر منها طبيب الأمراض الصدريّة، "الإرادة هي السلاح الوحيد للتخلص من السجائر، فإذا وُجدت سيمتنع بكل سهولة عنه، والابتعاد عن الجو الذي يشجعه على التدخين، وممكن اللجوء للتخفيف التدريجي من السجائر ويمكن استغلال شهر رمضان للتخلص من هذه العادة".

وحاولت مراسلة "آخر قصة" التواصل مع أكثر من جهة حكومية للتعرّف على أصناف منتجات التبغ وكمياتها التي يجري استيرادها إلى قطاع غزة عبر المعابر التجارية، لكن الجهات رفضت التصريح عن أيّة نسب أو أرقام ذات علاقة أو أيّة إجراءات المتبعة للرقابة على التدخين، وقالت إنها تتحفظ عن نشر هذه المعلومات عبر وسائل الإعلام.