عشرات المئات من المنازل تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي استمر لخمسة أيام (9-13 مايو) بفعل الاكتظاظ السكاني والتداخل العمراني الذي يزيد مخاطر تدمير مساحات سكنية أوسع، إذ يعتبر القطاع من حيث الكثافة السكانية أكثر المناطق كثافة حول العالم (5936/ كم²).
يمكن القول إن في غزة الجميع مهدد، فمن المعروف أن بيوت غزة تحتضن بعضها البعض، ومعظمها يُبنى بجدران مشتركة كنوع من استغلال المساحات؛ فـالعيار الذي لا يصيب يحطم النوافذ على الأقل. وربما هذا يفسر العلاقة بين عدد الضربات الجوية بمقابل عدد الخسائر المادية التي لحقت بالسكان.
وتفيد الإحصاءات بتدمير 103 مساكن تدميراً كلياً، فيما أن البيوت التي تعرضت لتدمير جزئي وتصلح للسكن بلغ عددها 2700 مسكن، أما عن البيوت المدمرة جزئيا ولا تصلح للسكن فعددها 140 مسكن.
وتزداد الأمور سوءًا في المخيمات الثمانية التي نشأت في القطاع بعد نكبة عام 1948، فهي مناطق ذات تجمعات سكانية مكتظة تصل كثافتها إلى 55 ألف نسمة/ كم²، وتعاني بيوتها من ضعف البنية التحتية كما يُقاسي سكانها سوء الأوضاع الاقتصادية إذ يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الأونروا والشؤون الاجتماعية؛ لذلك فإنّ وقوع أيّة تصعيد يعني التسبب بخسائر فادحة في العمران والأرواح والبنية التحتية، مجتمعة.
الشابة أسيل محمد (30) عاماً من مدينة دير البلح تنحدر من واحدة من مئات الأسر المتضررة بفعل العدوان، وقد تعرض مسكنها للتدمير الجزئي نتيجة قصف أحد البيوت المجاورة، تقول "تضرر بيتنا خلال التصعيد وكان الضرر الأكبر في المطبخ الذي تدمر كليًّا ولم يعد صالح للاستعمال أبدًا".
وتمتمت أسيل بصوتٍ خفيض وعلامات الحزن واضحة على وجهها، وهي تقول لـ "آخر قصة"، "المطبخ يُعتبر مصدر دخلي الوحيد فأنا أصنع فيه المأكولات الجاهزة وأبيعها، وها قد مرَّ أسبوعان لم أستطع استكمال الطلبيات بالشكل المطلوب بسبب الضرر الحاصل وعدم معاينة الأضرار من الوزارة حتى اللحظة".
وقالت مصادر حكومية إنَّ أكثر من مئتي أسرة بإجمالي ألف مواطن أصبحوا بلا مأوى بفعل عدوان مايو 2023، فيما بلغ مجمل خسائر العدوان عشرة ملايين دولار، ويعود كبر الرقم إلى حجم الكثافة السكانية والعمرانية المتضخم، ولعلّ المشاهد التي ظهرت بعد قصف عائلة عبيد في مدينة دير البلح وهي أكثر تعبيراً عما يحدث في حال قصفت منطقة مكتظة حيث يؤدي استهداف بيت أو بيتين إلى تدمير الحي بالكامل وتضرر معظم المباني فتتساءل للوهلة الأولى إنّ كان ذلك أثرًا لزلزال.
على الرغم من الخسائر الفادحة للعدوان إلا أنَّ عملية إعادة الإعمار تواجه جملةً من التحديات، وفقًا لما أشار إليه رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، وقال "إن إعادة إعمار غزة بعد العدوان الأخير أمامها عدّة تحديات أهمها غياب تعهد من المانحين لإعمار ما دمره الاحتلال".
بالإضافة إلى نقص الموارد المخصصة لإعادة إعمار غزة في ظلّ العدد الكبير من منازل المواطنين المُهدمة جرّاء العدوانات السابقة التي لم يعاد إعمارها بعد".
محمد إبراهيم مواطن أخر تعرض مسكنه للتدمير الجزئي خلال عدوان 2021، قال لـ "آخر قصة"، "تضرر منزلي بعد قصف برج قريب منه، وبعد انتهاء العدوان زارتنا عدّة جهات لمعاينة وتسجيل الأضرار بحجّة التعويض ولم نر شيئا حتى بعد مرور عامين".
وأشار المواطن إبراهيم وهو في العقد الرابع من عمره، إلى أن نوافذ بيته وجدرانه قد تحطمت، وأعاد بنائها وصيانتها على نفقته الخاصّة و اضطر للاستدانة من أحد أقربائه من أجل إعادة المسكن إلى ما كان عليه قبل التعرض للأضرار.
وكانت قد تضررت أكثر من 90 ألف وحدة سكنية خلال العدوانات الإسرائيلية المتعدّدة على قطاع غزة حتى عام 2022 بحاجة إلى إعمار، وفق إفادة مركز حقوقي فلسطيني.
ويفسر صلاح عبد العاطي، عدم حصول المتضررين من العدوانات السابقة على تعويضات إلى الآن، قائلا: "للأسف هناك غياب حقيقي فيما يتعلق بدور الجهات المانحة، وافتقاد للدور الفاعل من قبل الأجسام الدولية لوقف انتهاكات العدوان الإسرائيلي وتعويض المتضررين منها".
وتابع عبد العاطي حديثه قائلًا، "بالإضافة إلى تباطؤ التحرك الجادّ في الوقت الراهن لإغاثة الضحايا من الجهات الدولية المَعنيّة لدعم أصحاب المنازل المهدمة والتعهد بتغطية تكاليف الإيجار حتى يُعاد البناء، لم يحصل ضحايا عدوان 2021 على تعويض حتى الآن وهناك غياب لوجود الخطط الفاعلة لذلك والالتزام بها".
بدورها ساءلت "آخر قصّة"، وكيل وزارة الأشغال والإسكان في قطاع غزة جواد الأغا، حول مصير إيواء المتضررين ومستقبل عملية الإعمار فقال: "وفرنا للأسر التي تشردت مبالغ إغاثية وبدل إيجار كحلّ مؤقت إلى حين استكمال عمليّة إعمار وحداتهم السكنية".
أما عن موعد الانتهاء من حصر الوحدات السكنية المتضررة، نوّه الأغا إلى أنه من المتوقع الانتهاء كلياً من الحصر خلال 10 أيام على الأكثر، فيما يتوقع أن يصلوا إلى 99% من المواطنين المتضررين، وفي حال لم يصلوا إلى مناطق محددة ستعلن الوزارة عن آلية للتواصل معهم، حسب قوله.
وعند سؤالنا عن مصير المتضررين من العدوانات السابقة وتعويضهم، أشار وكيل وزارة الأشغال والإسكان إلى أنّ "الجهات الممولة تواصلت خلال الفترة الماضية مع الوزارة ورفعنا لهم الإحصاءات والبيانات، فيما سيُدرَج متضررو العدوانات التي انقضت فهم أيضاً فئة مستهدفة للتمويل، ولكن حتى اللحظة لم يحدث أيّ تدخل على أرض الواقع".