يعيش الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة صدمةً، في أعقاب تلقيهم قراراً يقضي بوقف المساعدات الغذائية التي يتحصلون عليها عبر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في وقت بلغ فيه معدل الفقر في القطاع أعلى مستوياته، حيث تجاوز 81.1%.
"قطعوا أرواحنا" هكذا عبّر محمود عمر (43 عامًا) وهو أحد المستفيدين من برنامج الأغذية العالمي الذين تلقوا رسالةً بقطع المساعدات عنهم، فيما قُدِّر عددهم بالآلاف ويُتَوقع أن يصل العدد إلى مئتي ألف مستفيد وفقًا لتقديرات مؤسسات أهلية.
أحد هؤلاء هو محمود عمر المتعطل عن العمل منذ سنوات وهو أبٌ لثلاثة أطفال، يقول لـ "آخر قصة"، "كلما يطلب أبنائي حاجيات وأطعمة أحاول تصبيرهم بتوفيرها عندما نستلم (الكابونة) لكن اليوم من أين سأوفر لهم متطلباتهم؟".
وأشار الرجل وهو يضرب كفًا بكف إلى معاناته من تراكم الأزمات عليه، وقال "كتير حزين على اللي بيصير فينا مش عارفين من وين نتلقاها، الكابونة هادي عبارة عن حياتنا، ما إلنا أي مصدر دخل تاني، يوفرولنا فرص عمل على الأقل".
ويُقدم البرنامج للأسر الفقيرة قسائم شرائية بقيمة 10.30$ للشخص الواحد بالإضافة إلى سلال غذائية، فيما سيشمل قرار الوقف كلا الوجهين من أوجه المساعدات.
وأنذرت العائلات المستفيدة من تلك المساعدات برسائل نصية عبر الهواتف تفيد بوقف المساعدات ابتداءً من الأول من يونيو القادم، فيما حذر مختصون تداعيات خطيرة لهذا القرار خاصّة بعد الخسائر الناتجة عن العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
تشابهت حالة السيدة أنسام محمد (55 عاماً) وهي أرملة من مخيم البريج وسط قطاع غزة، مع محمود عمر، وتقول إنّها تعيش على "الكابونة" التي توفر مستلزمات ومونة البيت ولا يوجد لديها أي مصدر دخل آخر.
وأضافت السيدة محمد في حديثٍ لـ "آخر قصة"، "الواحد عايش على المساعدات ومش حاسس بأمان بين وقف وتمديد ولعب بالأعصاب، غير أنه صرف شيك الشؤون الاجتماعية (كفالة حكومية للأسر الأشد فقراً) بتأخر كتير أوقات وبنعاني واحنا بنستنا ومحدش حاسس فينا".
في المقابل، يقول أمجد الشوا شبكة المنظمات الأهلية لـ "آخر قصة" "إنَّ أهم الفئات التي تستفيد من هذا البرنامج هم الفئات الأكثر هشاشة من أطفال ونساء ومسنين وذوي إعاقة ويعتمدون بشكلٍ أساسي على تلك المساعدات".
وطالب الشوا في أعقاب احتجاج العشرات من المستفيدين أمام مقر الأمم المتحدة في قطاع غزة، "الجهات المانحة" بضرورة تعجيل دعم برنامج الغذاء العالمي، ليتمكن من استئناف خدماته للمستفيدين وتخفيف معاناتهم، خاصّة بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية على السكان في ظلّ استمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ عام 2006 وحتى اليوم".
في غضون ذلك، نبّه المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر إلى وجود مؤشرات كارثية لوقف المساعدات على الفئات الهشة المُستفيدة خاصّة بعد تعرض قطاع غزة لعدوانٍ إسرائيلي وما تسبب به من خسائر بشرية وماديّة في مختلف القطاعات؛ ما يعني تضخم الأزمة على السكان.
وقال أبو قمر في حديثٍ لـ "آخر قصّة": "إنَّ هذا القرار سيؤثر بشكل كبير على حوالي 60% من الأسر الفقيرة إذ يحدّ من قدرتهم على توفير احتياجاتهم، كما يُتوقع أن تصل خسائر السوق الفلسطينية إلى أكثر من مليون دولار تُضخ إلى السوق من وراء هذه المساعدات".
أما التأثير الأكبر من وقف المساعدات سيكون على أصحاب المولات والمحال التجارية التي تُباع عندها السلع لتلك الأسر الفقيرة المستفيدة من برنامج الأغذية العالمي، وفقًا لأبو قمر.
وعن البدائل للأزمة نوّه أبو قمر إلى أنّها تتمثل في توفير فرص عمل لتلك العائلات وخصوصاً القادرة على العمل، وهذا سيزيد من العبء على الحكومة الفلسطينية في كيفية إيجاد حلّ لهذه الأسر، في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت إلى 45%.
على ضوء ذلك، توجهت آخر قصة لبحث دور الحكومة في قطاع غزة، تجاه هذه دعم هذه الفئة من السكان والتي من المتوقع أن تواجه نتائج كارثية بسبب وقف المساعدات. وقالت المتحدثة باسم وزارة التنمية الاجتماعية بغزة عزيزة الكحلوت "إن الوزارة تنتظر حتى تاريخ 1 يونيو 2023، لترى هل فعلاً سينفذ القرار أم لا وبعد ذلك ستُتَخذ الإجراءات اللازمة".
وفي سؤالنا عن الخطة البديلة في حال أُوقِف البرنامج تابعت الكحلوت حديثها مع "آخر قصة"، "حتى الآن متحفظين عن الحديث، لكن لا يوجد خطة طوارئ بخصوص هذا البرنامج". ويعطي هذا الرد تأكيدا واضحاً على عدم وجود حلول بديلة قادرة على مساعدة السكان على تجاوز أزمتهم.