"المال معوض".. مجاملة في غير محلها أحياناً

"المال معوض".. مجاملة في غير محلها أحياناً

يكدّ العامل الفلسطيني أكثر من عشرين عاماً من أجل اقتناء مسكن، أو إعادة بنائه على شكل أدوار متعددة من أجل احتواء أفراد أسرته لما بعد إنجاب الأحفاد.

وبين عشية وضحاها قد يصبح المسكن الذي يصطلح عليه في غزة بأنه "ثمرة شقاء العمر"، أثراً بعد عين.

يأزر الفلسطينيون بعضهم بعد كل جولة تصعيد يتكبد فيها البعض خسائر مادية، وتأتي المجاملة في هيئة عبارات مختلفة منها: "في المال ولا في العيال، المال معوض، بكرا بترجع أحسن من أول، ما تشيل هم أشي المهم صحتك"، رغم أي من تلك العبارات يدرك قائلها ومستقبلها أنها لا أساس أحيانا لها من الصحة.

يكفكف الحاج الثمانيني طه مسكنه الذي فقده بعد رحلة شقاء طويلة يسميها "تحويشة العمر"، وقال "مخطئ من قال إن المال معوض، والله إن المال يعادل الروح"، في إشارة إلى أهمية تأمين مسكن في منطقة كقطاع غزة والحاجة الماسة إليه.

وأضاف الرجل ذو اللحية البيضاء، متحسراً "وين نروح بعد قصف الدار؟، في الشارع يابا بدنا نقعد"، بعدما حاول بعض أقربائه إجلاءه إلى مساكنهم القريبة من المسكن المدمر.

الصورة

وتعد تكلفة إنشاء مسكن في قطاع غزة باهظة في ضوء وجود تحديين أساسيين: انعدام مصادر الدخل، ومحدوديته. وبخاصة أن نسبة الفقر قد تضاعفت في القطاع الذي يعاني حصاراً منذ أكثر من 16 عاماً.

وتتراوح تكلفة إنشاء الشقة السكنية في القطاع بين (20-90 ألف دولار)، وهي قيمة ليس بمقدور عامل بأجرٍ متدنٍ قد لا يتجاوز الـ300 دولار شهريا أن يوفرها. واعتمد غالبية السكان على المساكن متعدد الطبقات التي بناها آباءهم، بعد رحلة كد وشقاء استمرت عدة عقود في قطاعات مختلفة. 

وهذا ما يؤكده الشاب محمد زيدان من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، والذي قال بعد تضرر منزله بشكل كامل إثر قصف منزل أحد جيرانه، "أقسم بالله تدمرنا، الواحد بيطلع لنص الليل يشتغل بـ(20) شيكل حوالي 5$، كل الدار تدمرت".

وتابع زيدان حديثه لـ"آخر قصة" وهو في حالة يرثى لها: "كل حارتنا تدمرت مش بس بيتي، محوا الحي كامل هينا نايمين في الشارع أنا وولادي وزوجتي، الواحد بيروح يشتغل على قد مصروف بيته وولاده باليومية إحنا قادرين نعمر!".

منزلا عائلتي "طه وزيدان"، مثالاً حياً على الألم الذي يعِشه أكثر من 15 أسرة دمرت مبانيهم تدميرا كلياً في مناطق مختلفة من القطاع، وتضم هذه المباني 51 وحدة سكنية، فميا تضررت 940 وحدة سكنية، منها 49 وحدة باتت غير صالحة للسكن خلال العدوان الإسرائيلي والذي استمر منذ (09 -13 مايو) 2023، على القطاع.

وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين أصدرت إحصائية حول نسبة الفقر في قطاع غزة حيث بلغت81,8% ، يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعاني 64% من انعدام الأمن الغذائي، وبلغ معدل بطالة الشباب الإجمالي 64%.

الصورة

وعن معدل دخل الفرد في قطاع غزة وقدرته على البناء تحدث المختص الاقتصادي الدكتور سمير أبو مدللة لـ"آخر قصة" :"يبلغ معدل دخل الفرد في قطاع غزة ما يقارب (1100$) سنوياً، ويوجد أزمة كبيرة في بناء المنازل والسبب في ذلك غلاء الأراضي".

وترتفع أسعار الأراضي في القطاع الذي تبلغ مساحته 365 كم²، بشكل كبير جداً، نظراً إلى محدودية المساحة التي يقيم عليها أكثر من اثني مليون مواطن.  

ويضرب أبو مدللة مثالاً على تكلفة إنشاء مسكن، قائلاً: "يتوقف بناء المنزل على سعر الأرض، فمثلاً في الأماكن الشعبية يتراوح سعر المتر من (150-200) دينار أردني في حال احتاج الشخص فقط ما يوازي (200) متر أرض سيكلفه (60) ألف دينار أردني سعر أرض وفي المقابل من (50-70) ألف دولار بيت صغير أو متوسط".

وأضاف أن "مدة البناء حسب المدة المقدرة وهي من عام إلى عام ونصف حسب السيولة لدى الشخص وتوفر المواد الخام لأنها قد لا تكون موجودة بسبب الحصار على قطاع غزة وهذا سيطيل من أمد البناء".

جدير بالذكر أنّ قطاع غزة يعاني عجزاً في الوحدات السكنية، إذ إن أكثر من 90 ألف وحدة سكنية تضرّرت خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتعدّدة على قطاع غزة حتى عام 2022 بحاجة إلى إعمار، وفق إفادة مركز حقوقي فلسطيني.

وما بين عبارة (المال معوض)، و (في المال ولا في العيال)، سيبقى المواطنون المتضررون، يعانون الشتات والتهجير، إلى أن تتحقق عملية إعادة الإعمار والتي لم يجر الحديث عنها حتى بعد مرور 48 ساعة على وقف التصعيد الإسرائيلي.