فرارًا من ضيق المكان وحلول الظلام بانقطاع التيار الكهربائي يحمل "أبو عمر" طعام إفطاره الرمضانيّ وأسرته ويتوجه من الشجاعية شرق مدينة غزة إلى شاطئ البحر غربًا حيث الهواء الطلق، يقول، "يوم نفطر بحضور الكهرباء وأيام على ضوء "الليد" في غيابها فقررنا الإفطار بالخارج".
وتحايلا على رغبة أبنائه الأربعة بالذهاب للمطعم وبالاتفاق مع والدتهم بإعداد فطائر غربية مميزة في البيت "كالشاورما وغيرها"، يرى أبو عمر أنّ شاطئ بحر غزة مكاناً جميلاً يمكن استغلاله ويوفر الكثير من التكاليف لأصحاب الدخل المحدود.
على امتداد شاطئ بحر غزة وقبيل أذان المغرب تجد الكثير من العائلات تتوافد إلى الشاطئ مباشرة متجاوزين ازدحام المقاهي والمطاعم، ومُحملّين بكافة مستلزماتهم ليتناولو إفطارهم مفترشين الشاطئ في مشهدٍ ساحر يجمع غروب الشمس مع لمة العائلة وأصوات الأذان تتناهي من بعيد وتختفي مع أصوات الموج مُعلنةً الإيذان بالإفطار.
وبجانب خيار الإفطار على الشاطئ، تستقبل الاستراحات الممتدة على شاطئ بحر غزة من شماله إلى جنوبه الصائمين طوال شهر رمضان؛ وتختلف أسعار كلٍ منها فهناك ما لا تتجاوز الـ (5 شواكل) فقط كضريبة حجز طاولة وتترك خيار إحضار الإفطار للعائلات.
يقول بلال خالد (28 عام) صاحب أحد الاستراحات على "كورنيش غزة" أنّه يزداد إقبال الناس على استراحته في العشرة الثانية من رمضان خاصّة أنّ سعر حجز الطاولة فيها رمزيًا، وفق قوله، ويقدم أحيانًا بعض المشروبات الرمضانية الباردة كالخروب والكركديه مجانًا والتي اعتاد الناس على تناولها في رمضان كنوع من جذب الزبائن.
ويردف الشاب في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "نقدّر الظروف العامة التي يمرّ بها معظم الناس فالكثير منهم لا يستطيعون الذهاب للمطاعم هم وعائلاتهم لتكلفتها التي لا تقل عن 100 شيكل في المتوسط، لكن في الاستراحة هنا الأسعار بسيطة والمكان جميل ومناسب للأطفال أيّضًا".
ويُشاع في شهر رمضان إطلاق المطاعم موائد مفتوحة "بوفيهات"، تبدأ أسعارها من 50 شيكل للفرد الكبير و30 للطفل، وهو ما يصعب توفيره على الأسر محدودة الدخل أو العاطلين عن العمل الذين قُدِّر عددهم بـ 239 ألف شخص في قطاع غزة، حسب نتائج مسح القوى العاملة في فلسطين عام 2022.
أماكن عديدة في قطاع غزة يُمكن للصائمين استغلالها لتناول الإفطار فيها دون التكلف بمصروفات باهظة الثمن، فتجد امتداد منطقة ميناء غزة مُتراصة بالطاولات المُطلّة على شاطئ البحر ومراكبه الراكدة عن الشاطئ، بالإضافة إلى منطقتي ساحة السرايا ومتنزه الأزهر وسط وغربي المدينة، وغيرهم مُجهزين لاستقبال الصائمين مُقابل أسعار رمزية لا تتعدى خمسة شواكل.
بالقرب من الحاجز الخشبي المحيط لمياه الميناء تجلس أم يزن وأختيها وأبنائهم الخمسة الصغار ينتظرون أذان المغرب لبدء تناول طعام الإفطار تقول: "كل سنة نأتي للإفطار في الميناء، نستمتع بالطبيعة ونحاول الترفيه عن أنفسنا بعيدًا عن أجواء البيت المغلقة خاصّة أن الأطفال يستطيعون اللعب بأريحية في هذه المساحات الواسعة".
تشاركها أختها أم فراس الحديث، "رمضان جميل باجتماع الأهل واللمة، والمكان هنا متاح للجميع وواسع وآمن لوجود الأمن على البوابات بالإضافة إلى أن تكاليفه مناسبة فهو في متناول الكل كما يوجد فيه مسجد قريب لأداء الصلاة والتراويح لذلك هو مكاننا المُفضل".
وفي حال كانت هذه الأماكن بعيدة عن السكان القاطنين شرقي مدينة غزة كونها تحتاج لمواصلات قد تكون مُكلفة للرحلات العائلية المحملة بأغراض ومستلزمات إفطارها، فيوجد متنزه البلدية كخيار مناسب للكثير من العائلات التي تُفضل الذهاب لأماكن قريبة وبعيدة عن الهواء البحري في ظلّ تقلب الطقس إذ يتطلب رسوم 2 شيكل للفرد فقط.
وتتميز المنتزهات المتوفرة في كافة محافظات قطاع غزة بالمساحات الخضراء والأماكن المخصصة لألعاب الأطفال؛ مما يُشكّل عامل جذب للعائلات فتجدها تزدحم بالصائمين قبيل أذان المغرب وطقوسهم الروحانية بجانب أجواء الجلسات العائلية المؤنسة عندما يفترشون أكلاتهم على الأغطية الملونة ويتناولون إفطارهم؛ في محاولة للترويح عن أنفسهم بعيدًا عما يُقاسونه من ظروفٍ معيشية صعبة عامة في قطاع غزة.