في محاولةٍ للتغلب على قلّة ذات اليد، لجأ الغزيون لابتكار طرقٍ تجارية تُساعد السكان على تغطية احتياجاتهم بأقلّ التكاليف. بما في ذلك افتتاح محال لتأجير البدل الرجالية التي غالبًا ما تُستخدم في المناسبات الرسمية، لاسيما الأعراس وحفلات الخطوبة وما إلى ذلك.
وبينما ينتظر الغزيون كغيرهم من البلدان الإسلامية عيد الفطر بفارغ الصبر. تُواجه العائلات الفقيرة تحدياً كبيراً لتوفير ثمن ملابس العيد الجديدة، خاصّة وأنَّ 81.8% من الأفراد في قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر الوطني، وفقًا لإحصاءات الأونروا.
ووجد محمود أبو فارس (36 عاماً) في مثل هذه المحلات فرصةً لارتداء ملابس أنيقة خلال يوم عيد الفطر، بمقابلٍ ماديّ محدود نسبياً عوضاً عن شراء ملابس جديدة لا يملك ثمنها.
يقول أبو فارس الذي يعمل في قطاع الإنشاءات لـ "آخر قصة"، وجدت نفسي بعد الانتهاء من كسوة أطفالي الخمسة عاجز عن اقتناء ملابس جديدة لي، وقد أشار إليّ أحد الأصدقاء بفكرة استئجار بدلة يمكن ارتداءها يوم العيد وحذاء ايضاً، بقيمة مالية تبلغ 40 شيكلاً فكان خيارا مناسباً"، مبيناً أنه كان سيحتاج إلى أربعة أضعاف هذا المبلغ من أجل شراء ملابس جديدة.
ويلفت الرجل الذي يتقاضى أجرًا يومياً يبلغ (40 شيكلاً)، بمقابل نحو 10 ساعات عمل، إلى أنه يضطر تحت وطأة الحاجة والغلاء المعيشي التحايل على الواقع وإيجاد بدائل، بما في ذلك شراء اللحوم المُجمدة بدلاً من الطازجة على سبيل المثال لا الحصر.
وانتعشت محال تأجير البدل الرجالية وحتى الأطفال خلال السنوات الخمس الأخيرة في قطاع غزة، فيما كان الأمر مُقتصراً في السابق على فساتين الزفاف والخطوبة.
يقول سليمان عبد الله صاحب محل لتأجير البدل الرجالية، إنَّ هناك اهتمام واضح من الشباب باستئجار البدل لارتدائها يوم العيد، مُرجعاً السبب إلى قلّة ذات اليد ومحدودية الدخل الذي تُعاني منه معظم الأسر في قطاع غزة.
وأوضح عبد الله (26 عاماً) الذي اضطر إلى فتح هذا المحل بعدما عجز عن الحصول على فرصة عمل وفقاً لتخصصه الجامعي (دبلوم تكنولوجيا)، أن إقامة محلات الايجار هي محاولة لمساعدة الشباب على ارتداء ملابس أنيقة في المناسبات المهمة التي يرغبون المشاركة فيها، من دون الحاجة إلى دفع الكثير من التكاليف.
وقال الشاب لـ "آخر قصة": "قد يسهل على الشباب استئجار بدلة كاملة بقيمة (30-60 شيكل) لاستخدامها خلال المناسبة، بينما من الصعب كثيرًا اقتناء واحدة جديدة تتراوح قيمتها بين (250- 700 شيكل)، بما في ذلك العرسان الذين يُعانون ظروفا اقتصادية صعبة".
يتجه الشباب إلى فكرة الاستئجار عوضًا عن الشراء، وفقًا لعبد الله، نتيجة الأوضاع العامّة التي يعيشونها فالمعظم بلا عمل، إذ تُشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أنَّ معدل البطالة في غزة وصل إلى 45%، كما أن الجزء الأكبر من الشباب العاملين يتقاضون رواتب متدنية لا ترقى للحدّ الأدنى للأجور؛ ما يعني ظروفًا ماديّة صعبة على الجميع، حسب تعبيره.
ولا تُفضل بعض الأسر دفع قيمة استئجار البدل للأطفال إلا للمناسبات الرسمية، وتنفقها على شراء قطعة ملبوسات واحدة على الأقل. وتقول أم كريم عليان وهي أم لثلاثة أطفال: "إذا كنت سأضطر لدفع قيمة 30 شيكلا مقابل استئجار بدلة لطفلي في يوم العيد، فأنا أفضل أن اشتري له بهذه القيمة قميصاً بحدٍّ أدنى".
وأشارت أم كريم التي تقطن مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، "من الصعب أن تجلب للطفل ملابساً ليوم العيد ثم تعيدها في صباح اليوم التالي لأنه مستأجرة.. الفرحة في عين الطفل هي اقتناء ملابس جديدة كأقرانه، لذلك أفضل اقتناء قطعة واحدة على دفع قيمة استئجار لباس".
على العكس تماماً، تقول إيناس جبريل (40 عاماً)، ابني في المرحلة الثانوية ولا املك مالاً كافياً لأن أوفر له كسوة عيد الفطر، لذلك اقنعته بفكرة استئجار بدلة رسمية بقيمة 30 شيكل، حتى يبدو بمظهر أنيق أمام أبناء عمومته ورفاقه في الحي.
وبينما كانت تجلس أسرة جبريل معًا وتتحدث عن أحلامهم وآمالهم بعد تناول وجبة السحور، سألت الأم أولادها عن رغباتهم في العيد، ردَّ الأبن الأكبر قائلاً: "أريد ملابس جديدة للعيد". وكانت الأم تشعر بالقلق والحزن لأنها لم تكن قادرة على تحقيق هذه الغاية له.
قالت جبريل من سكان مخيم الشاطئ، "كنت أعول على صرف المنحة المالية التي نتلقاها من وزارة التنمية الاجتماعية، وحين تأخر صرفها، شعرت أنّ أبنائي يشعرون بالحزن واليأس لأنهم لم يقتنوا ملابس جديدة مثل أبناء الجيران، لذا وجدنا في الاستئجار خياراً بديلاً".
وكانت الأم تحاول بكل جهدها توفير بعض الأموال من خلال العمل في صناعة الكعك، لكن الأمور كانت صعبة للغاية ولم تكن تستطيع جمع المبلغ الكافي لشراء الملابس الجديدة لأولادها. وكانت تشعر بالحزن الشديد عندما تشاهد أولادها يحلمون بملابس جديدة وهي تعلم أنها لن تتمكن من تحقيق ذلك الحلم لهم.
وداخل محل إيجار البدل، تمكّن أفراد بعض الأسر من استئجار بدلات رجالية أنيقة استعداداً ليوم العيد؛ الأمر الذي يدخل الفرح على نفوسهم. ويقول أحدهم رافضاً الإفصاح عن اسمه، وهو يتهكم على واقع الفقر الذي يعانيه مطلِقاً مثالا شعبيا: "الناس بتشوفنا لابسين مش عارفين انه من برا هالله هالله ومن جوا يعلم الله".َ