زينة رمضان تَرف يكادّ يُلامس بيوت الفقراء

زينة رمضان تَرف يكادّ يُلامس بيوت الفقراء

حبست مها احمد (34 عامًا) دموعها وأطفالها يطالبونها بوضع الزينة الرمضانية للبيت، فيما هي تحاول استغلال كل "قرش" حسب تعبيرها لشراء دوائها المزمن الذي تتلقاه على إثرِ إصابتها بالسرطان واستئصالها لورمٍ خبيث في جسدها.

وعلى ما يبدو أن "حبل الإضاءة الرفيع" الذي عاد به ابنها "أحمد" من الروضة قائلًا بصوته الهامس: "كل عام وأنتِ بخير ماما"، قد كان الزينة الوحيدة التي دخلت غرفة هذه العائلة الواقعة على السطح.

وتعيش مها وأسرتها في غرفة تُقدّر مساحتها بـ 15 متر مربع فوق أهل زوجها؛ لتكون هي المطبخ، وغرفة المعيشة، والحمام في آن. تقول، "أنا وزوجي حملة شهادات جامعية، وكلانا لا نجد عملًا، حتى أنّ الأيام أنستنا مَن نكون، وما هي طموحاتنا".

وتتحدث الأم الثلاثينية بصوتها المبحوح الذي يختفي تارة ويعود تارة حزنًا، وهي التي أصبح سقف أحلامها أن توفّر حاجات أبنائها الأربعة الأساسية، ولا زالت تتساءل: "أكلُّ هذا ضريبة أن يعيش المرء في غزة تحت الحصار؟".

وعندما طلبت ابنتها "ربا" أن تُعلِّق الزينة الرمضانية، وضعت والديها في موقفٍ حرج، فما وجدت الأمّ بُدًّا من تقليب محتويات الصندوق الكرتوني النائم فوق الثلاجة، لتجد أخيرًا شمعتين على ما يبدو أنهما مخزونٌ احتياطيٌّ لساعاتِ قطع الكهرباء؛ إلا أن قلب الأم آثر إشعالهنّ أمام الأولاد كاحتفالٍ رسميّ بحلول رمضان.

"خلال ذلك أنشدنا لرمضان، وشرحتُ لهم العبادات التي نقوم بها في مثل هذا الشهر، مثل خطوات الصلاة، وشروط الصيام" قالت الأم وهي تتحدث عن أجواء صنعتها لأطفالها دون حيلةٍ لها من اقتناء الزينة والفوانيس، وغيرها الكثير من الأسر اكتفت بأضواء الشموع و"الليد" في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي بديلاً عن التزيين.

وفي حالٍ ليس بعيد عن عائلة مها، ووسط أنواع وأشكال الزينة تسابق الطلبة لتعليقها في الصفوف خلال شهر رمضان، تساءل مراسل المدرسة "خليل" عن آخر مرة دخلت الزينة لبيته؛ إذ أنَّ هناك مصاريف أهم بالنسبة لأبٍ يعيل عشرة من الأبناء.

"قليلٌ من الزينة لا يضُرّ"، هذا ما دفعه للتوجه لأحد المحلات، وشراء فانوسين صغيرين مصنوعين من البلاستيك الأبيض، لكن رأسه كان يزدحم بالأسئلة كيف سيتدبر مصروفات شهر رمضان براتبه الصغير الذي يتقاضاه مقابل عمله مراسل في احدى المدارس الحكومية.

عندما سئل هذا الرجل الخمسيني عن أشياء يرجو تحقيقها حتى رمضان القادم، قال:" يكفينا ذل، نفسي أعيش بكرامة!" متسائلًا -أيضًا- عن حال أبناء شعبه من "غير الموظفين"، كيف يكون في رمضان؟ إذا كان دخله هو "الموظف" يكادّ يعيل فقط حاجاته وحاجات أسرته الأساسية.

من المُلفت للنظر أنّ شراء الزينة غير مقتصر على الفئات ذات الدخل العالي أو المتوسط، وإنما أيضًا الأشخاص ذوي الدخل المحدود أو المنعدم يميلون إلى شيءٍ من هذا الترف، وفقًا لما أشار إليه مندوب مبيعات أحد الشركات في قطاع غزة، كنان المشهراوي.

وأضاف المشهراوي في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "هذه وسيلة الناس للهرب من الواقع الذي حاصرهم من كافة الجوانب، فرغم وجود المآسي لازال الناس متمسكون بالحياة"، واستدرك قائلًا، "صحيح أن الفقراء يقبلون على شراء مثل هذه الجماليّات بنسبة ضئيلة، إلا أنّ أماكن بيع الزينة أيضًا تسعى لبيع أصنافًا بمبالغ مختلفة تتلاءم مع جميع الفئات".

وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية السيئة لكن مندوب المبيعات يؤكد أنّ مبيعات زينة رمضان من فوانيس وسلاسل ضوئية ومجسمات حققت هذا العام نسبة 80% وهي تعتبر نسبة مرتفعة.

وقال المشهراوي، "الناس في قطاع غزة ينتظرون بفارغ الصبر أي مناسبة للفرح، إذ يُستقبل رمضان كل عام بحماس كبير، وابتياع أنواع الزينة المختلفة".

لوحظ انتشار كبير لزينة رمضان من الأضواء المُعلّقة على النوافذ وفي الشوارع العامة في قطاع غزة فرغم سوء الظروف الاقتصادية إلا أنَّ رمضان هذا العام شَهِد استقرارًا نسبيًا في الأوضاع السياسية إلى حدٍ ما؛ كان دافعًا وراء الإقبال على التزيين والفرح، بحسب حازم العجل صاحب محل للطباعة والهدايا الذي أفاد بالإقبال على الزينة.

وقال العجل لـ "آخر قصة"، "بالرغم من الإقبال الضعيف في البداية نتيجة تأخر الرواتب لموظفي حكومة غزة ورام الله، وتأخر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية، لكن الحال انقلب بعد بدء رمضان وتحسن الأوضاع قليلًا، ونحن أيضًا نركز على توفير الأصناف الأقل سعرًا والتي لا تتجاوز بضعة شواكل إذ أنّها الأسرع مبيعًا".

ويحاول حازم وزملائه من التجار في السوق تجاوز الأوضاع المادية بالرضى بالقليل من الربح، أو البيع برأس المال، كما يقول.

وأشار صاحب محل الهدايا إلى أنّهم يوفرون كل عام زاوية تصوير مجاني تتضمن توزيع الهدايا على الأطفال فلربما تصنع لهم بعض جرعاتٍ من السعادة وذكريات جميلة في المستقبل في ظلِّ كل ما يقاسونه من ظروف الحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع.