محلات العطارة ملجأ المرضى الفقراء في غزة

محلات العطارة ملجأ المرضى الفقراء في غزة

ينشغل تحسين الخضري (58 عاماً) داخل محل العطارة الخاص به في سوق الزاوية القديم وسط مدينة غزة، في إعداد خليط من عدة أعشاب ونباتات؛ تلبيةً لطلب أحد الزبائن الذي جاء إليه يشكو من آلام قرحة المعدة.

يقول الخضري الذي يعمل في هذه المهنة منذ 35 عاماً متوارثًا إياها عن والده، إنَّ التداوي بالأعشاب يمكنه معالجة عشرات الأمراض من بينها أمراض الجهاز الهضمي والتنفسي، والضعف الجنسي، والأمراض الجلدية وتساقط الشعر، والكبد الوبائي وأمراض القلب، لكنه لم يوضح إلى أي مدى تنسجم الوصفات الطبية التي يمنحها إلى زبائنه، مع الضوابط الصحية.  

ويُطلق على التداوي بالأعشاب مصطلح (طب النباتات) الذي يعد شكلاً من أشكال الطب البديل وهو خيار يتجه إليه المرضى الفقراء الذين لا يقدرون على دفع ثمن العلاجات الكيميائية التي تبيعها الصيدليات، في الكثير من الأحياء والمناطق المهمشة في قطاع غزة. 

ويرى الخضري أن زبائنه المُقبلين على شراء الوصفات الطبيّة العشبية في ازديادٍ مستمر، في ظلّ تصاعد معدلات البطالة التي وصلت إلى 44% في قطاع غزة، وارتفاع معدل الفقر إلى 81.8%، إذ يعاني 64% من انعدام الأمن الغذائي، بحسب إحصاءات نشرتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

وعن خلطته التي أعدّها للزبون المُصاب بقرحة المعدة، قال العطار الخضري، "تتكون من عرق السوس الذي يمنع نمو البكتيريا، والزنجبيل والكركم والثوم الفعّالين في علاج أمراض الجهاز الهضمي، والبابونج كمسكن لآلام المعدة، إضافة للحلبة وهي غنيّة بالمواد الصمغية التي تُغلف بطانة المعدة وتُسرّع التئام التقرح".

يشير بيده إلى المحتوى العشبي إلى الزبون ويقول بثقة: "يوضع هذا الخليط في لترٍ من الماء المغلي، ثمّ يخلط المزيج بالعسل.. تناول هذا الخليط يجب أن يستمر يوميًا ولمدة ثلاثة أسابيع، وسيتم القضاء على القرحة تمامًا".

بلا شك فإنّ تكلفة هذا الخليط العشبي زهيدة إذ لا تتجاوز الخمسة شواقل، فيما أن أدوية قرحة المعدة التي يُنصح بصرفها الأطباء المتخصصون من الصيدليات تزيد في قيمتها عشرة أضعاف، وربما أكثر. 

من بين المواطنيين الذين يتداوون بالأعشاب قسراً بحكم قلة ذات اليد، منال بصل (41 عاماً) التي جاءت للحصول على تركيبة عشبية لعلاج مرض الربو الذي يعاني منه طفلها البالغ سبعة أعوام.

تقول المواطنة بصل لـ "آخر قصة": "زوجي يعمل حارساً لبناية سكنية لا يتجاوز راتبه الشهري 700 شيقلاً وينفق نحو ربع هذا المبلغ في سداد إيجار منزلنا، الأمر الذي لا يجعلنا قادرين على شراء الكثير من الأشياء وأهمها الأدوية والعلاجات".

أما فيما يتعلق بجدوى وفعالية التداوي بالأعشاب في علاج مرض طفلها، قالت السيدة بصل: "أعتقد أن للأمر فعالية، وأشعر بتحسن في صحة إبني. ربما مفعولها ليس سريعاً كالأدوية العادية، إلا أنها تُجدي نفعاً إلى حدٍ ما".

ويتوافق مع الخضري وبصل في آرائهما نحو فعالية العلاج بالأعشاب، مدير مركز ابن النفيس للنباتات الطبية والمكمّلات الغذائيّة" في غزّة محمود الشيخ علي، الذي قال إنّ العلاج بالأعشاب أفضل من الأدوية الكيميائية إذ تُستخلص الأولى من الطبيعة وتُعزِز المناعة وليس لها آثار جانبية.

وأوضح الشيخ عليّ الحاصل على درجة "الماجستير" في التغذية العلاجية من جامعة الأزهر بغزة، أن الإقبال يزداد على محال العطارة في فصل الشتاء تحديداً حيث تكثر الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا والأمراض الصدريّة، والتي تستخدم لعلاجها أعشاب مختلفة مثل البابونج والينسون والزنجبيل والمرمريّة.

ويعد التداوي بالأعشاب ملجأ المرضى خاصّة الفقراء منهم بسبب رخص ثمن الوصفات العلاجية العشبية، بحسب الشيخ علي الذي أشار إلى أنّ فلسطين تعتبر من أغنى بلاد العالم في وفرة الأعشاب، إذ تحتوي على 2800 نوع من النباتات العشبية الطبية، إلا أنّه يُشهد ضُعفًا في الاهتمام المحلي بهذه والفائدة التي تقدمها في مجال الطب والتداوي، وفق قوله.

وعلى النقيض من ذلك، قال مدير وحدة الإجازة والتراخيص في وزارة الصحة بغزّة طه الشنطي لـ "آخر قصة"، "إن فعالية الخلطات العشبية ليست كبيرة وربما صفرية في علاج الأمراض، وعلى الرغم من أن الطب الشعبي مستمد من عادات وتقاليد الأجيال السابقة، إلا أنّه لا يعتبر -علمياً- مصدراً للعلاج من الأمراض، إذ لم يثبت جدواه بشكل بحثي في علاج الأمراض".

واستدل الشنطي على صحة قوله بأنّ أصحاب محلات العطارة غالباً لم يتلقوا أي تعليم في علم الأعشاب مثل التغذية العلاجية أو الصيدلة؛ الأمر الذي لا يجعلهم أطباء معالجين، وفق قوله.

لكن عدم امتلاك العطارين شهادات علمية في المجال الطبي لا يعني أن تقوم الجهات الرقابية بوقف عملهم، بحسبِ الشنطي، معللًا ذلك بأنّ ما يبيعونه غير ضارًا أو مواداً ممنوعة.

وما بين الآراء التي تناقض فعالية الطب الشعبي أو التي تشجعه وتثبت قدرته العالية على العلاج، يساهم الطب البديل شأنا أم أبينا، في التخفيف من الأعباء المادية على كاهل الأسر الفقيرة.