"تساءلت كثيراً، إن كان زوجي قد سمع جيداً لكلمات المأذون يوم خطبتنا وهو يقول (في السراء والضراء)، ولكن قراره بالانفصال والطلاق كان أسرع من أي شيء آخر بعد تشخيص إصابتي بمرض سرطان الثدي"، تُلخص هدى (اسم مستعار) قصتها مع أسوء أمرين قد تحصل عليهما أيُّ امرأةٍ معاً (السرطان والطلاق) رغم خمسة أعوام سعيدة قضتها مع زوجها الذي وصفته بأنه كان خلالها رجل ليس كأي رجل.
تقول هدى (27 عاماً) التي أنجبت من زوجها طفلة واحدة، "أجريت كشفاً مُبكراً لسرطان الثدي وظهرت النتيجة إيجابية، أي مصابة بالمرض، ثم لم تمضِ سوى ثلاثة أشهر حتى وقع الطلاق بيننا فجأة".
كثيراً ما نسمع وقوع الطلاق بحق امرأة بسبب إصابتها بـ "ذلك المرض" وهو الاسم الشائع مجتمعياً الذي يطلقه الناس على مرض السرطان لما يُمثله من خطورة كبيرة فلا يجرؤون على البوح باسمه صراحةً، ورغم تكرار تلك الحوادث إلا أنّه يغيب محلياً وجود إحصاءات رسمية دقيقة حول أعداد النساء اللواتي تُطلقن بسببه.
لكن بحسب دراسة أعدها الدكتور علاء مطر عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الإسراء بغزة عام 2016، حول "مدى رضا مريضات السرطان في قطاع غزة عن الخدمات الصحية المقدمة لهن"، تقول إن 38% من مريضات السرطان في قطاع غزة طلقهن أزواجهن بعد اكتشاف إصابتهن بالمرض.
وكان زوج هدى قد رافقها مرة واحدة للعلاج في القاهرة، وعنها قالت: "بعدها لم يحتمل مرضي، وقالت له عائلته إن مرضي سينتقل وراثياً إلى أطفالنا، وسينجب مني أطفال يعانون من ذات المرض. لذا قرر الانفصال عني".
تردف في حديثها لـ "آخر قصة": "حينها راودني ألف سؤال وسؤال دون جواب واحد، لماذا لم يمنحني الأمل وقد منحته كل شيء؟ هل تبديل الزوجات أمرٌ سهل بهذه البساطة لدى الأزواج؟ هل إصابتي بالسرطان تعني أنني سأموت دون أملٍ بالشفاء!".
أما تغريد (اسم مستعار) ورغم أنّها أصيبت بورمٍ حميد إلا أنّ المصير ذاته تشاركته مع هدى، إذ قرر خطيبها الانفصال عنها قبل ثلاثة أسابيع فقط من موعد الزفاف بعد فترة خطوبة استمرت عامٍ ونصف، بسبب إصابتها بمرض سرطان الغدة اللمفاوية.
تقول تغريد (21 عاماً) بحزنٍ بالغ: "بعدما اكتشفت إصابتي بهذا المرض بدأت معاملة خطيبي تتغير معي، اختفت ملامحه اللطيفة وأصبح يفتعل المشكلات لأتفه الأسباب، وعندما طلب الانفصال أرجع قراره إلى عدم التوافق. لكن الأمر كان واضحًا بالنسبة لي، لقد قرر الابتعاد بسبب مرضي رغم أنّها كانت أورام حميدة وليس خبيثة".
يستوجب قانون الصحة العامة الفلسطيني رقم (20) لسنة 2004، في المادة رقم (5) أنّه "على وزارة الصحة توفير الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية المتعلقة بصحة الأم والطفل ومنها إجراء فحص طبي قبل عقد الزواج ويعمل على عدم توثيق العقد إلا بعد الفحص الطبي للتأكد من خلو الزوجين مما يمكن أن يؤثر على حياة وصحة نسلهما".
ولمعرفة إذا ما كانت هذه المادة القانونية تحمي المرأة من الانفصال نتيجة إصابتها بعلة صحية وبخاصة إذا لم يثبت أن العلة ستؤثر على صحة نسلها لاسيما في حال أصيبت بورم حميد، أو كان في مواضع لا تشكل خطرًا على الصحة الإنجابية. قال المحامي الشرعي والنظامي أحمد عمار"، إن إجراء الفحص الطبي الشامل للزوجين يعد حق متبادل لهما من أجل ضمان خلوهما من الأمراض التي قد تؤثر على حياتهما وأطفالهما ولتجنب الأمراض الوراثية، إذ يمنح هذا النص القانوني الطرفين الحق في معرفة الأمراض التي يعاني منها الطرف الآخر قبل الزواج.
وبيّن عمار في سياق حديثه لـ"أخر قصة أن هذا النص القانوني لا يمكن للزوج الاعتماد عليه في دعم قضية طلاق قد يرفعها في المحاكم ضد زوجته المصابة بالسرطان، إذ أن هذا المرض -وفقاً لوجهة النظر القانونية- لا يؤثر بطبيعة الحال على صحة النسل خاصة لو كان حميداً.
وأشار في الوقت ذاته إلى وجود نص قانوني يضمن للجميع بما فيهم المرأة الحق في تلقي الخدمات الصحية، حيث ورد في قانون الصحة العامة الفلسطيني رقم (20) لسنة 2004، في المادة (2) "تنفيذاً لأحكام هذا القانون وبالتنسيق مع الجهات المعنية على الوزارة تقديم الخدمات الصحية الحكومية الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية، وإنشاء المؤسسات الصحية اللازمة لذلك".
ويُشخص الأطباء خمسة حالات جديدة يوميًا لمرضى السرطان ووفاة حالتين في قطاع غزة، وفق لتصريحات منسق مشروع المناصرة في منظمة الصحة العالمية محمد لافي.
كما يُقدّر عدد المصابين بمرض السرطان في قطاع غزة بنحو 14 ألف مريض، تُشكِّل الإناث الأغلبية منهم بنسبة 53% أما الذكور يُشكِّلون ما نسبته 47% فيما يحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى بين سرطانات الإناث بنسبة 32.2%، وذلك بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
ويقول مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس لموقع "آخر قصة" إن من حق الزوجة المصابة بالسرطان الحصول على بيئة أسرية داعمة يكون أساسها الزوج الذي يجب أن يشكل الداعم الأكبر لها من أجل مواجهة هذا المرض.
وأضاف يونس في سياق حديثه لـ"آخر قصة": يعتبر تخفيف الأعراض النفسية لمريضة السرطان من الزوج والعائلة، جزءا اساسيا من حقوقها الاجتماعية، وخلاف ذلك من التخلي عنها أو تطليقها، يعتبر انتهاكاً لحقها كمريضة سرطان في تلقي الرعاية النفسية اللازمة للتخلص من مرضها.
ورغم تقارب النسب بين إصابات الذكور والإناث في المرض إلا أنّ الكثير من النساء تدفع الضريبة مُضاعفة عندما تُطلق من زوجها على إثرِ ذلك، فما الدافع وراء تخلي الأزواج عن زوجاتهن عند تشخيصهن بمرض السرطان؟ يُجيب المختص الاجتماعي إياد الشوربجي: "يحصل الطلاق عندما لا يتوفر الوعي لدى الزوج حول ما يتعلق بالإصابة بمرض السرطان لكن هذا لا يمكن اعتباره مبرراً".
وعدّ الشوربجي في حديثه لـ "آخر قصة" أنّ عدم وجود علاقة زوجية متينة بين الأزواج سببًا مهما وراء تطليقهن زوجاتهن المصابات بالسرطان، بالإضافة إلى عدم مقدرة بعضهم الاقتصادية على توفير العلاج لهن، فيما قال إنَّ أسوأ ما قد يدفع الرجل لتطليق زوجته المصابة بمرض سرطان الثدي مثلًا هو أنّه فقدت جزءًا من أنوثتها باعتقاده.
لكن المختص الاجتماعي عاد وأكّد كل هذه الأسباب لا تُشرعن الاندفاع نحو الانفصال، وقال "هناك العديد من الحالات التي أثبت خلالها الرجل وفاءه لزوجته بوقوفه جوارها حتى وصولها إلى بر الأمان".
ويقول مدير عام الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة، د. ماهر شامية، " إن مرض السرطان، ليس معدياً، ولكنه مرض قد يتوارث جينياً بين الأجيال في العائلة، مشيراً إلى أن السرطانات الوراثية تتراوح نسبتها بين 5-10% فقط على المستوى العالمي.
وأوضح شامية خلال حديثه لـ"آخر قصة أن تبعات الحصار الإسرائيلي من نقص في الأدوية والمهام الطبية والعلاجات التخصصية والكيميائية وأجهزة المسح الذري والإشعاعي والصعوبات الكبيرة التي تعيق حركة المرضى المحولين الى مستشفيات الداخل المحتل والضفة، كل ذلك يساهم في تعزيز توجه بعض الرجال نحو تطليق زوجاتهم المصابات بالسرطان بسبب فقدان الأمل في العلاج.
وذكر أن جهاز الماموجرام الوحيد بالوزارة المخصص للكشف المبكر عن مرض السرطان والذي يقدم خدماته مجاناً للنساء ابتداء من سن الأربعين، معطل حالياً بسبب عدم سماح إسرائيل بإدخال قطع غيار لازمة لصيانته وإعادة تشغيله.
ولفت إلى أن عدم الاستقرار في الأدوية يتسبب في مزيد من الألم والمعاناة للمرضى وعائلاتهم، ويتسبب أيضاً بتراجع أوضاعهم الصحية خاصة بعد فترة طويلة من العلاج المنتظم.
ويوجد في الأراضي الفلسطينية مستشفى رئيسي يقدم خدماته للمصابين بالسرطان من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو مستشفى أوغستا فيكتوريا (المطلع) في القدس الشرقية، لكن هذا المستشفى يعاني من أزمة مالية متجددة تجعله غير قادر على تدبير الخدمات الصحية لمرضى السرطان التي تعتبر باهظة الثمن، في الوقت الذي أصبحت فيه السلطة الفلسطينية التي تغطي تكاليف العلاج في هذا المستشفى، مُدينة له بمبلغ 72 مليون دولار – بحسب تقرير نشره موقع بي بي سي في 27 مارس 2022.
أما عن الحصول على تصريح لتلقي العلاج والرعاية الصحية في الخارج في المستشفيات الوطنية الأخرى أو الخاصة في الضفة الغربية التي تعد أكثر تطوراً من مثيلاتها في قطاع غزة، فيقول شامية: "هذه مسألة تتطلب موافقة إسرائيلية قد ستغرق عدة أشهر، ولا يمنحها الاحتلال لكل من يصفهم بأنهم (ممنوعين أمنياً)".
وخلال عام 2021، أبلغت إسرائيل 37% من مقدمي طلبات العلاج في الضفة أو الداخل المحتل، أنها رُفضت أو أنها "قيد الفحص" أو لم يتلقّ مقدموها ردا أصلًا، ورفضت طلبات 38% من المرضى الأطفال وعددها 4145 طلباً، ورفضت كذلك 24% من طلبات المرضى الذين يتجاوزون الـ60 من العمر وعددها 2906 طلبًا أو لم يتلق مقدموها ردًّا- بحسب تقرير صادر عن منظمة (بتسيلم) الحقوقية الإسرائيلية في 10 شباط 2022.
وطالب مختصون في المجالين الحقوقي والصحي بقطاع غزة، خلال ورشة عمل نظمها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بمدينة غزة في 9 نوفمبر 2022، بتوطين علاج السرطان والأورام. وهو الأمر الذي يفتح باب التساؤل حول عدم إنشاء مستشفى خالد الحسن للسرطان وزراعة النخاع الذي سيشكل بارقة أمل كبيرة لدى مصابي السرطان بغزة، وسيحمل انعكاسات إيجابية على حياتهم الصحية والاجتماعية.
هذا المستشفى الذي تقرر إنشاءه بموجب مرسوم رئاسي رقم (3) لسنة 2016 يعد أكبر صرح طبي في فلسطين، ويبلغ تمويله 140 مليون دولار من أموال التبرعات والمانحين. وضع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حجر أساسه عام 2016 على أراضي بلدة سردا قرب رام الله، لكنه لم يرى النور حتى اليوم.
حاول "آخر قصة" الحديث مع العديد من المسؤولين في وزارة الصحة برام الله حول مصير هذا المشروع، لكنهم لم يدلوا بإفادات حول الموضوع، فيما رد أحد أعضاء مجلس إدارة المستشفى الذي طلب عدم الكشف عن هويته على سؤال كاتبة التقرير حول عدم إنشاء هذا المستشفى حتى اليوم، بكلمات مقتضبة، قائلاً: "لم نتمكن حتى اليوم من جمع التبرعات والدعم الكافي لإنشاء المستشفى، لذلك جمد المشروع".
في المقابل يرى مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس أن الواقع الصحي يتنافى مع ما جاء في قانون الصحة العامة، "إذ أنه لا يوجد مستشفى فلسطيني واحد يستطيع تقديم كامل الخدمات لمرضى ومصابي السرطان في الأراضي الفلسطينية، وأن يشكل بيتاً آمناً يوقف توجههم إلى العلاج خارج الأراضي الفلسطينية سعياً للحصول على رعاية أفضل ومتكاملة" كما قال.