تناول المواطن الفلسطيني عبد الله النملة القاطن في مخيم رفح جنوب قطاع غزة، أقراص المضادات الحيوية على مدار أسبوعين كاملين، بعد أن وصفها له أحد الصيادلة في محيط سكنه، ظناً منه أن المريض عبد الله يعاني التهابات حادة في الجيوب الأنفية، لكنه لم يشعر بأي تحسن.
ولم يتمكن عبد الله (40 عاماً) والذي يعاني ظرفا اقتصادياً صعباً من مراجعة طبيب مختص، واكتفى بالعقاقير التي صرفها له الصيدلي اعتمادا على الأعراض التي استمع إليها.
وقال عبد الله لـ"آخر قصة" إنه اختار الطريق الأسهل ظنًا منه أنه بعد تناول هذه المضاد الحيوية سوف يزول الألم، غير أنه ونتيجة لتناول كمية كبيرة من تلك العقاقير أصيب بفشل كلوي، مما أدي إلى دخوله في غيبوبة دامت ثلاثة أيام، وبالكاد استطاع الأطباء إنقاذ حياته.
وأضاف الرجل: "كلما شعرت بألم كنت أسرع إلى تناول المضاد الحيوي الذي وصفه لي الصيدلي من أجل ممارسة الحياة، وكنت أعتقد أنه فيروس بسيط وسيزول ولكن بعد أسبوعين كاملين من تناوله، فقدت الوعي وشعرت بإن الموت قريب جداً مني".
يعتمد الكثير من الصيادلة في قطاع غزة، على صرف العلاجات للمرضى بعد الاستماع إلى الأعراض بدون طلب روشتة طبيب. وبلغ عدد الصيدليات على مستوى القطاع 792 صيدلية، ذلك حسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية الصادرة عام 2021.
ما حدث مع الأربعيني عبدالله لا يختلف كثيرًا عن، أسماء جادالله (24 عامًا)، والتي أصيبت بالغثيان وبآلام شديدة في المعدة، بعد تناول المضاد الحيوي.
الفتاة جاد الله القاطنة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، قالت إنها أخذت على عاتقها تناول هذا النوع من العلاج بدون استشارة طبيب، مستكفية بتعليمات الصيدلي. ذلك من أجل التخلص من آلام الالتهابات التي أصابتها في أعقاب إجرائها عملية جراحية لاستئصال المرارة في إحدى المشافي الحكومية، وعدم التئام الجرح الذي أصبح متقرحًا.
وقالت لـ"آخر قصة"، "أخذت المضاد الحيوي الذي وصفه لي الصيدلي بعدما تم تشخيصي من خلال أسئلة شفوية، ولم ينصحني بالعودة إلى طبيب مختص، وكنت وقتها أريد التخلص بشكل سريع من الآلام حتى أتمكن من رعاية أطفالي".
وتعاني جاد الله هي وأسرتها من فقر مدقع وتعيش على المساعدات، مثلها مثل الآلاف من الأسرة الفقيرة في قطاع غزة الذي بلغت نسبة الفقر فيه 59% حسب إحصائية البنك الدولي. ولا تستطيع المرأة الإنفاق على علاج آلام المعدة التي تسبب بها فرط استخدام المضاد الحيوي.
ما حصل مع الحالات الآنفة من مضاعفات نتيجة تناول المضادات الحيوية دون تشخيص حقيقي من خلال طبيب مختص، أمر مخالف لنظام مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين، الذي نص في المادة رقم (62) "على الصيدلي المسئول، الامتناع عن صرف الأدوية بدون وصفة طبية ويستثني من ذلك مواد الإسعاف الأولى والأدوية OTC)) التي يصدر الوزير قرارًا بإعفاء صرفها من شروط الوصفة الطبية بعد الاستئناس برأي النقابة".
ويوضح المحامي حسام الوادية، أنه ليس هناك تطبيق فعلي لمواد القانون، وهذا أمر في غاية الخطورة وبخاصة أن الكثير من الصيدليات تصرف العلاجات للمريض دون الرجوع إلى طبيب مختص.
وأكد الوادية لـ"آخر قصة" أن الوزارة الصحة في قطاع غزة لم تصدر أي قرار بمنع الصرف المضادات الحيوية من غير وصفة طبية، معتبرا ذلك أنه "يشكل خطراً على صحة الكثير من المرضى الذين ليس لديهم الوعي الكافي حول مضار المضادات الحيوية وخطورة تعطيها بدون روشتة".
في الأثناء، حذر مدير دائرة التثقيف وتعزيز الصحة، بوزارة الصحة في قطاع غزة الطبيب معين الكريري، من تناول المضادات الحيوية دون وصفة طبية، نظرا للأعراض الجانبية التي قد تسببها نتيجة استخدامها بشكل خاطئ.
وقال الكريري خلال مقابلة مع "آخر قصة"، إن ذلك قد يؤدي إلى ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات، والتي من الممكن أن تسبب العديد من الأمراض، مؤكداً أن تناول المضادات الحيوية يجب أن يكون عند الحاجة فقط.
ويتقاطع مع قاله الطبيب، مع الحالة التي تعاني منها المريضة جاد الله، حيث أكد أن من الآثار الجانبية، لاستخدام المضادات الحيوية تتمثل في الغثيان والدوار المستمر مع ألم حاد في المعدة، وتساهم في زيادة مقاومة المضادات الحيوية من قبل البكتيريا، وهذا يعني أنها ستستمر في النمو ولن نستطيع السيطرة عليها، مما يؤدي إلى التضخم في المرض وزيادة في أنواعه وآلامه.
وللحد من مخاطر هذه الظاهرة قال: "من الضرورة إدخال موضوع سوء استخدام المضادات وتثقيف الأطباء بشكل مكثف في مناهج الكادر الصحي من أطباء وصيادلة وممرضين، وتثقيف الناس من خلال عمل ورشات عمل في كافة الدوائر الحكومية والمدارس والمراكز الخاصة بالنساء للتوعية من مخاطرها، مع أهمية مراقبة جودة تصنيع المضادات الحيوية".
وفي ظل عدم وجود رقابة كاملة على عملية صرف العلاجات من دون روشتة بما فيها المضادات الحيوية، كان لا بد من التوجه إلى نقابة الصيادلة والتعرف على دورها تجاه الحد من مخاطر تناول المضادات الحيوية بدون وصفة طبية، ومدى تطبيق القانون الفلسطيني على أرض الواقع بحق المخالفين، غير أننا وبعد محاولات حثيثة لم نتمكن من الحصول على رد من قبل النقابة.