قاسم وفطائره المعجونة بنكهة تراث البلدة القديمة

في غزة

قاسم وفطائره المعجونة بنكهة تراث البلدة القديمة
APA

جعلتُ من هذا البناء الذي يتوسط قلب البلدة القديمة في مدينة غزة ويزيد عمره عن ثمانين عامًا مزارًا أثريًّا بعد ترميمه ليبدو وكأنّه يعود إلى مئات الأعوام، يحمل نكهة الأصالة والعراقة بعبق التصاميم القديمة ورائحة "المناقيش" الفلسطينية الشعبية التي تجمع الزعتر البري وزيت الزيتون المبارك، ويأتي على صيتها الزبائن من كل مكان، هذا أنا إسماعيل قاسم وإليكم قصتي.

وقد بقيّ محلي هذا متروكًا لنحو ثلاثين عامًا إذ كنت أُقدم فيه الفطائر قديمًا لكنه أُغلق على إثر أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، ثم فكرت بمحض الصدفة لإعادة افتتاحه وبث الروح فيه بعد ترميمه لتقديم الفطائر كمناقيش الزعتر والدُّقة (قمح مطحون) والبيض وغيرها من الأصناف التراثية الفلسطينية.

انني اعتمد على تقديم الوجبات القديمة للزبائن بهدف الحفاظ على الرونق التراثي للمكان، واعتمدت في تصميمه على الأحجار القديمة والإضاءة الصفراء الدافئة، كذلك استخدمت المقتنيات الأثرية كالفناجين النحاسية وأطباق الفخار في التقديم وغيرها من الأدوات التراثية لتُضفي نكهة أثرية لأجواء الجلسات الهادئة وتساعد في نجاح المكان الذي سيبقى قِدمه ودفئه يعيد لأذهان الزوار صورًا من زمن الأجداد في وقت يكتظ بالعصرية والأماكن الصاخبة.

السرّ في جمال المكان هو موقعه الجغرافي إذ يقع في البلدة القديمة من مدينة غزة ويتمتع بجمال التفاصيل الأثرية للمنطقة ناهيك عن مجاورته للمسجد العمري الكبير الذي يعد أحد المعالم المعمارية الفنية العريقة في المدينة، وهذا ما دعاني لتوسعة المحل بغرض إحياءه كمعلمٍ أثري لاسيما وأن الزوار يُشبهونه بأسوار مدينة القدس العتيقة.

وكان لترميم المحل وتوسعته أثر كبير في جعل المكان المهجور معلم حقيقي يتردد عليه عدد كبير من سكان قطاع غزة باستمرار، وكان ذلك هدفي منذ البداية أن أصنع مكانًا يكون المقصد الأول للمواطنين وليس السياح فحسب، ولذلك عملت على النشر المستمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن المكان لتعريف الناس به مع التركيز على موقعه وتفاصيله الجميلة.

آمل أن يصبح هذا المحل الأثري مقصدًا أساسيًا لزيارة الطلاب في رحلات المدارس والرياض الترفيهية؛ لتتعرف الأجيال الناشئة على حضارة وتاريخ تراث بلادنا القديم، وأطمح أن يُعمر شبابنا الفلسطيني هذه البلاد بالمشاريع التنموية التي تحافظ على تاريخنا وجذورنا فنحن أصحاب قضية وعقول وعلم كبير.