تمكّن الحطاب محمد حمدان (25 عامًا)، من إعدام نحو 50 شجرة مثمرة مُوزعة على ثلاث دونمات زراعية منذ بداية العام الحالي 2022، بيعت حطباً في السوق المحلي، بقيمة 1.5 شيكلا للكيلو الواحد.
حمدان هو واحدٌ من أصل مجموعة كبيرة من الحطابين يعملون موسميًا في هذه المهنة في قطاع غزة مع دخول فصل الشتاء تحديداً. ولا يعرف ما هي اعداد الأشجار التي استطاع هؤلاء تحويلها إلى حطب وبيعت في السوق المحلي، في تجاوز واضح لما نص عليه القانون الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999 بشأن البيئة، والذي يحظر تجريف الأراضي الزراعية.
ويفعل حمدان ذلك دون وعي أو إدراك لحقيقة ما ورد في القانون بشأن التحطيب الجائر، ولكنه قال إن هذه هي المهنة الوحيدة التي ورثها عن ابيه المتوفى منذ أربع سنوات، واضطر للعمل فيها تحت وطأة انعدام فرص العمل.
يخرج الشاب كل صباح يحمل منشارا كهربائياً يستخدمه في قطع الأشجار وبيعها في إحدى محاطب قطاع غزة؛ ابتغاء كسب القليل من المال، وقال: لـ "آخر قصِّة" : "تخرجت من الجامعة قبل ثلاثة سنوات ولم أجد عملاً في مجالي، فلجأت إلى بيع الحطب خاصة في فصل الشتاء لأن الكثير من الناس تستخدمه للتدفئة".
وبلغت نسبة الشباب الخريجين (19-29) سنة من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى حوالي 72% في قطاع غزة حسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، واضطر عدد كبير منهم للعمل في حرف خطرة وأخرى مخالفة للقانون كمهنة التحطيب.
وتدر هذه الحرفة دخلاً محدوداً على عدد من الأسر، غير أن نوعية الخشب تلعب دوراً هاماً في ثمن البيع، حيث أن أشجار الزيتون والحمضيات قيمتها أعلى، فيما يتوسط سعر طن الحطب الواحد (ألف كغم)، ما قيمته ألف شيكل، (300 دولار أمريكي).
ومن ناحية عملية، ينتعش التحطيب في فصلِ الشتاء، إذ يبدأ من 21 كانون الأول ويستمر حتى 20 آذار، وتستهلكه فئة كبيرة من الناس لأغراض التدفئة المنزلية، وبخاصة في ظل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي منذ عام 2006؛ إذ تتراوح ساعات الوصل مقابل الفصل من 6-8 ساعات يوميًا.
ولظروفٍ اقتصادية سيئة، اضطر أشرف عمران (63 عامًا) الذي يقطن وسطَ قطاعِ غزة، إلى اقتطاع أشجار أرضه وبيعها لكن دون أن يمتهن ذلك، فقد أجبره ضيق الحال وتكاليف زفاف ابنه الباهظة إلى بيعِ الأرض أيضًا واشترط على المشترى أن يحصل على الأشجار ويقتطعها في سبيلِ ذلك.
يقول عمران في حديثٍ لـ "آخر قصة": "كانت روحي تنازعني وأنا أقف على حافة الأرض والمنشار بيدي أقتطع فيه عشرين شجرة هي أكبر من عمري، لكنها الحاجة التي أجبرتني على تجريف الأرض قبل بيعها".
ولا يدري عمران أن فعله يتناقض تماماً مع ما نصَّت المادة رقم (18) في القانون الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999 بشأن البيئة، على أنّه "يحظر تجريف الأراضي الزراعية أو نقل تربتها بهدف استعمالها في غير الأغراض الزراعية، ولا يعد تجريفًا تسوية الأرض أو نقل تربيتها لأغراض تحسينًا زراعيًا أو المحافظة على خصوبتها أو البناء عليها وفقًا للشروط والضوابط المقررة من الجهات المختصة".
بدوره، قال مدير عام الشؤون القانونية في المجلس التشريعي أمجد الأغا، إنّ القانون الفلسطيني حفظ الحق للأراضي الزراعية ولمالكيها على حدٍ سواء، إذ منع تجريف هذه الأراضي، وأعطى الحق لملاك الأراضي بزراعتها والاستفادة منها ولكن دون انتهاك القانون.
وفي إطار الحدّ من عمليات اقتطاع الأشجار الحاصلة، في ظلِّ ارتفاع معدل الكثافة السكانية التي تصل إلى 2.2 مليون نسمة في قطاع غزة مقابل مساحة لا تتجاوز 365 كم²، اقترح الأغا حلولاً لاستغلال الأجزاء غير المزروعة في القطاع في التشجير، مشيرًا إلى ضرورة تشديد الرقابة على ملاك الأراضي الزراعية منعًا لتجريفها وإعدام الأشجار.
وتوافق النصّ القانوني الذي عدّ قطع الأشجار من المحظورات مع ما أفاد به الخبير البيتي عبد الفتاح عبد ربه الذي أشار إلى أنّ اقتطاع الأشجار هو من أكبر الجرائم التي يرتكبها الانسان بحق البيئة، مبينًا أنّ المزروعات سواء كانت مثمرة أو غير مثمرة فهي تحدّ من تغيرات المناخ السلبية على البيئة وتسدّ احتياجات الانسان من الغذاء.
وقال عبد ربه في مقابلةٍ مع "آخر قصّة"، "إنّ الحفاظ على الأراضي الزراعية هو محضّ محافظة على استمرار حياة الإنسان، وإنّ الحاجة إلى وجود المساحات المزروعة في قطاع غزة مُلحة أكثر من أي مكانٍ آخر نظرًا لارتفاع معدل الكثافة السكانية فيه".
وقدم الخبير البيئي العديد من النصائح التي كان من ضمنها زراعة الأشجار في كل مكان حتى في الطرقات، مبينًا أنّه من الأفضل أن تكون أشجار مثمرة لتعود على الانسان بالفائدة المثلى، كما أشار إلى ضرورة استغلال المساحات على أسطح البيوت للتقليل من تغيرات المناخ التي قد تُحدِث كوارث بيئية.
أمام هذا التجاوز القانوني، كان لابد من مساءلة وزارة الزراعة حول الدور الذي تلعبه للحد من مخاطر التحطيب الجائر، وعلى إثر ذلك قال المتحدث الفني باسم الوزارة المهندس محمد أبو عودة، إن وزارته تعمل جاهدة على الحدّ من استخدام الأراضي الزراعية في البناء والمشاريع الاستثمارية، مؤكداً على تسجيل مخالفات بحق كل مَن قام أو يقوم بقطع الأشجار وتجريف الأراضي عمدًا.
لكن في المقابل، لم يصرح أبو عودة بعدد حالات الضبط والمخالفات التي سجلتها وزارة الزراعة، مرجعاً ذلك إلى عدم توفر إحصائية لديهم "وافتقار الوزارة إلى قاعدة بيانات نتيجة شح التمويل والدعم اللازم"، حسبما قال.
وفي الوقت نفسه، أشار المتحدث الفني، إلى أن وزارة الزراعة تنفذ جملة من المشاريع بهدف الحفاظ على تخضير القطاع، بما يشمل ذلك توزيع أشجار مثمرة على المزارعين أو زراعتها في أراضٍ حكومية، ومشاريع استصلاح واستزراع بالشراكة مع مؤسسات دولية وحكومية، بالإضافة إلى قيامهم بزراعة 4000 دونم زيتون على مستوى القطاع.
ومن الواضح أن هذه الممارسة ستبقى مستمرة، على ضوء عدم وجود سياسات حكيمة تضمن توفير فرص عمل وتحسين مستوى الدخل لأسر المزارعين والحطابين على حدٍ سواء بشكل يحول ضمن التغول على المساحات الخضراء، ويجنب البيئة بوجه عام المزيد من الانتهاكات.