ما أسباب حوادث السير في غزة؟

قصة مدفوعة بالبيانات: التشريعي بصدد إصدار قانون رادع

ما أسباب حوادث السير في غزة؟

في لحظةٍ مريرة سقطت من الذاكرة فقدت فيها أريج أبو طه (27 عامًا) أمها وقدمها، هي لم تَعد تذكر التفاصيل ولا كيف جرى ذلك الحادث، لكنها تعرف الآن حجم ما خسرت في حادثِ سير بعدما فقدَ السائق سيطرته على مقود المركبة.

أثناء ذهاب الفتاة أبو طه رفقة ووالدتها إلى قاعةِ أفراح على طريق شارع صلاح الدين الرئيسي الذي يمتد من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، اصطدمت سيارة كانت تسير بسرعة عالية بالمركبة التي تقودهم، وبدلاً من أن يغير السائق مساره توقف فجأة وحصل ما حصل، فيما تبينَ لاحقًا أنّه لا يمتلك رخصة قيادة كما أنّ سيارته غير مرخصة.

على إثرِ هذه الحادثة ما زالت الفتاة تعاني مشاكل صحيّة في العِظام وظروف نفسيّة قاسية بعد وفاة والدتها التي دخلت في غيبوبة لثلاثة أيام ثم فارقت الحياة بهذه الطريقة المُروّعة. فيما لم يقتصر الأمر على حالاتٍ محدودة في قطاع غزة، بل اتسع مؤخرًا ليصل عدد حوادث السير إلى 2461 حادثًا مروري نتج عنهم 53 حالة وفاة و1315 إصابة خلال عام 2021، وفق وزارة الداخلية والأمن الوطني. 

ومن هؤلاء الإصابات مَن تعطلت حياتهم، وأصبح الحادث يفصل بين زمنين في مسار حياتهم، كطارق حمد الذي خسر قدمه اليسرى قبل عامٍ ونصف، أثناء قيادته لسيارته في أحد شوارع مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة بعدما صدمته سيارة تسير باتجاه مُخالف، يقول: "اختلفت الحياة كلها بعد الإصابة، لم أستطيع العمل في كثير من المجالات أو حتى قيادة سيارتي مرة أخرى، وأصبحت حالتي عائق كبير أمام مستقبلي سواء في فرص العمل أو الزواج".

وفي ظِلّ الكثافة السكانية التي تُقدّر بـ 2.2 مليون نسمة يقطنون داخل القطاع، وضمن نطاق جغرافي لا تتجاوز مساحته 365 كم2، فإنّ الحوادث في استمرار دون توقف، حيثُ قدرت حالات الوفاة الناتجة عن حوادث السير 39 حالة خلال العام الحالي 2022.

صحيح أن الرقم الآنف يعطي مؤشراً على تراجع نسبة الوفيات الناتجة عن حوادث السير مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية لكن تظل النسبة مرتفعة نسبياً.  

بشكلٍ قانوني يمنع قانون المرور الفلسطيني رقم (5) لسنة 2000 سير المركبات غير المرخصة، كما يتضح في المادة (13) التي تنصّ على أنّه "لا يجوز تسيير أية مركبة على الطريق انتهت مدة صلاحية سيرها المحددة في رخصتها إلا بعد تجديدها طبقًا لما ورد في هذا القانون".

ووفقًا لمدير عام الشؤون القانونية في المجلس التشريعي أمجد الأغا، فإنّ قانون المرور مُطبق تطبيقًا سليمًا في قطاع غزة؛ لكنه أكّد على عدم وجود عقوبات صارمة للحدّ من زيادة حوادث السير في قطاع غزة، وقال: "إنّ المجلس التشريعي بصدد إصدار مشروع قانون مرور لتعديل توحيد تراخيص السيارات ملاكي وأجرة، وذلك تخفيفًا من عبء التراخيص".

ويتضمن مشروع القانون الجديد عقوباتٍ صارمة، بحسبِ الأغا، الذي أشارَ إلى أنّ هذه العقوبات تأتي في إطار ردع وتخويف السائقين للتخفيف من سرعة قيادتهم، وهي على شاكلة أسعار مخالفات مرتفعة، وسجن لسنوات، أو سحب المركبة التي يستقلها السائق لإشعارٍ آخر، وغيرها، إذ تنفذها دائرة المرور العامة وشرطة المرور معاً.

ربما يأتي هذا القانون بعد زيادة عدد الوفيات الناتج عن حوادث السير في القطاع، والتي أرجعها مدير الإدارة العامة لشرطة المرور إبراهيم أبو جياب إلى مجموعة من الأسباب، وقال: "إنّ الكثير من الحوادث تعود بشكلٍ رئيسي للسرعة الزائدة في القيادة، بالإضافة إلى تهور المواطنين في عبور الطريق وتحديدًا الشوارع العامة؛ نظرًا لافتقادهم إجراءات السلامة المرورية".

وفي سياق تعزيز الثقافة المرورية، أوضح أبو جياب أنّ شرطة المرور تعمل جاهدة على توعية المواطنين من خلال التعاون مع دائرة الإرشاد في وزارة التربية والتعليم، ومؤسسات المجتمع المدني والعشائر لتعزيز التوعية بالثقافة العامة، وذلك بطرق عدة لم يذكر منها سوى مواقع التواصل الاجتماعي.

إضافة إلى ما تقدم، قال أبو جياب: "تنعدم في قطاع غزة الأجهزة الخاصة بقياس سرعة السيارات (رادار) في الشوارع الرئيسية، والتي تسهل على شرطة المرور الكشف عمن يُخالف السرعة المحددة، وهي بطبيعة الحال تساعد في التقليل من سرعة السائقين وفرض المخالفات عليهم، وبلا شك فإن توفرها سيساهم في تخفيف هذه المشكلة". 

وفي واقع الأمر، فإن هناك سبباً أخر يمكن استنتاجه، إلى جانب سرعة القيادة، وتهور المواطنين، وانعدام الثقافة المرورية، وكذلك عدم توفر أجهزة الرادار، ألا وهو أن الإدارة العامة لشرطة المرور تتحفظ على إتلاف السيارات القديمة التي مر عليها عقدين من الزمن فأكثر، وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي تتسبب في الازدحام المروري، حيث بلغ عدد هذه السيارات 76 ألف مركبة متنوعة ما بين صغيرة وكبيرة وخاصة وعامة.

وبرر أبو جياب عدم إتلاف شرطة المرور المركبات القديمة، بأنّ الكثير من المواطنين يمتهنون قيادة السيارات، فقد أصبحت المهنة متاحة للجميع في ظلّ الظروف الاقتصادية المتردية وقلّة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة في القطاع الذي يعاني حصاراً منذ أكثر من 15 عاماً، الأمر الذي جعل إدارة المرور تتغاضى عن وجود هذه المركبات وتزايدها المطرد في غزة.

هذا التغاضي قد لا يبدو في محله، إذا ما اعتبرنا أن هذه المركبات قد تساهم في زيادة الازدحام المروري، وقد ينتج عنها حوادث سير متعددة.