"الطلاق مقابل التنازل عن حقوقها الشرعية كافة"، شرط تعجيزي وضعه زوج ميرفت محمد (29 عامًا) أمام موافقته على الطلاق، بعدما أرسلها إلى بيتِ والدها بغيّة إنهاء حياتهم الزوجية فيما فضّل تعليّق حياتها، مستغلاً حقه في الولاية وتسريح الزوجة؛ تهربًا من دفع مستحقاتها المالية المترتبة عليه بعد الطلاق.
وحتى لا تبقى ميرفت (اسم مستعار) معلقة، عليها أن تتنازل عن حقها الشرعي والذي تقدر قيمته بـ 6 آلاف دينار أردني، وهو مجموع المهر المؤخر، بالإضافة إلى "عفش البيت".
ورغم تجربة ميرفت في الزواج التي وصفتها بـ "المريرة" على إثرِ تعنيف زوجها المستمر لها؛ إلا أنّها كانت تميل كثيرًا إلى التحمل وعدم العودة إلى منزل عائلتها، من أجل منحِ طفليها حنان (4 أعوام) ورائد (7 أعوام) فرصةً للعيش في ظلِّ أبويهما إلى أن قررَ زوجها إنهاء هذه العلاقة الزوجية بإرسالها لبيت أهلها دونما الحصول على ورقة طلاق.
لقاءَ فعل زوجها، ترفض ميرفت التنازل عن حقوقها الشرعية والقانونية مقابل الطلاق، تقول لـ "آخر قصَّة"، "هذه الحقوق خصصها الشرع للمرأة عند طلاقها من أجل مساعدتها على بدءِ حياة جديدة عن طريق فتح مشروع صغير يُعيلها، أو إكمال دراستها الجامعية وخلافه".
ميرفت هي واحدة من عشرات النساء اللاتي تُرِكن مُعلّقات، إذ يُعيدهن أزواجهن إلى منازل آبائهن بقصدِ الانفصال لكن دون تطليقهن؛ للتهرب من إيفاء الحقوق المالية المترتبة على الطلاق.
وتعيش النساء في هذه الحالة، تجربة قاسية قد تستمر لسنوات يواجهن فيها حرمانًا من حقوقهن مثل بدء حياة جديدة أو الزواج من آخر، دون رادعٍ قانوني، فالقانون الذي يُمكن النساء من رفع دعوى تفريق للضرر من الشقاق والنزاع ضدَّ أزواجهن _وهي دعوى قضائية تمنح المرأة الحق بطلب الطلاق أمام قاضٍ شرعي حتى في حال رفض الزوج الطلاق_ لا يجعلها تحظى بحقوقها كاملة، وفق آراء مختصون.
وقد بلغ عدد قضايا التفريق التي نظرت فيها المحاكم الشرعية بقطاع غزة منذ مطلع العام الجاري نحو 480 قضيّة، وفق نائب رئيس محكمة الاستئناف الشيخ عمر نوفل.
بالعودة إلى ميرفت، فقد تحدثت "آخر قصَّة" مع زوجها ويدعى "ياسر" وهو شاب حاصل على شهادة جامعية وعاطل عن العمل، إذ برر عدم منح زوجته الطلاق إلى سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة والفقر في القطاع وتدنى فرص الحصول على عمل؛ الأمر الذي يجعل من مسألة إيفاء زوجته حقوقها المالية أمراً خارج قدرته المالية.
وقال ياسر: "حياتي الزوجية مع ميرفت منتهية، ولكن لا أستطيع منحها الطلاق قبل التنازل عن حقوقها المالية، لأنه في حال طلقتها دون ذلك يمكنها مطالبتي بدفع أموالٍ طائلة، وفي حال لم أدفع يمكنها سجني متى ما أرادت وهذا ما أحاول عدم توريط نفسي به".
رغم خياره بالإبقاء على زوجته معلّقة دون تطليقها؛ لكن ياسر لم يتردد بالزواج من أخرى ودفع تكاليف الزواج الثاني كاملةً؛ الأمر الذي يشير إلى أنَّ تدهور الأوضاع المعيشية ما هي إلا ذريعة يتذرع بها العديد من الأزواج لعدم منح الزوجات حقوقهن بعد الطلاق.
وعلى النقيض من ميرفت كانت مرام (28 عامًا) التي قررت بنفسها العودة إلى بيت والدها مطالبةً بالطلاق وتاركةً زوجها بكامل إرادتها بسبب إدمانه على حبوب مخدِّرة وتحوله لوحشٍ مفترس عندما يبحث عن المال، وإيداعه السجن ثلاث مرات.
وقالت مرام (اسم مستعار) لـ"آخر قصة"، "حياتي الزوجية كانت جحيمًا لا يُطاق وأنا غادرتها بإرادتي واختياري، بينما رفضَ الزوج الطلاق وأبقاني مُعلّقة على مدارِ عامين ونصف، حتى رفعِت دعوى التفريق، ولو لم أفعل ذلك لبقيت معلّقة لوقت أطول".
وبحسبِ الخبير الاجتماعي والنفسي زهير ملاخة فإنّه يصعب على المرأة المعلّقة ممارسة حياتها بطريقة طبيعية في ظلّ هذا الوضع؛ الأمر الذي قد يتسبب بخلق أزمات نفسية لها، ستؤثر على سلوكياتها ودخولها في صدمات نفسية نتيجة عيشها في سجن يمتلك مفاتيحه الزوج، وفق تعبيره.
وقال ملاخة في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، "إنّ القوة والحصانة التي يتمتع بهما الزوج في مسألة ولايته على الزوجة، قد يُسيء استخدامها البعض لتحطيم حياة زوجاتهن أو لإجبارهن على التنازل عن حقوقهن، والأكثر سوءً أنّ ذلك لا يتوقف عند الزوجة بل يمتد إلى الأبناء؛ ما يعني تحطيم الأسرة بسبب عدم وجود إطار قانوني أو مجتمعي حامٍ لها".
وبحسب المادة رقم 132 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1976، يحق للزوجة طلب الطلاق عبر المحاكم الشرعية، في حال أثبتت إضرار الزوج بها. ووفق القانون يتوجب على القاضي أن يمنح الزوجين مهلة شهر أملاً بالمصالحة بينهما قبل الحكم في القضية.
لكن ما يجري في أروقة المحاكم يُخالف ما حدده القانون من بنودٍ ومعايير للنظر في قضايا التفريق للشقاق والنزاع، وفق المحامي الشرعي محمد أبو عمرة الذي قال: "هناك خلل في تطبيق هذا القانون في المحاكم الشرعية، إذ تواجه النساء المعلّقات مشكلة إطالة أمد التقاضي لمدة قد تستمر إلى عامين وأكثر، بسبب لجوء محامو الأزواج إلى حيلٍ وذرائع مختلفة أمام القضاة، لتأجيل النظر في هذه القضايا وتأخر النطق بالحكم".
كما أنّ القاضي لا يقضي للمرأة بالطلاق إلا في حال أثبتت تعرضها للضرر من علاقتها الزوجية وهو ما يواجهه الأزواج غالبًا بالنفي وجلب شهود زور مقابل المال؛ لإحباطِ ادّعاءات الزوجة، بحسبِ أبو عمرة، حيث أوضحَ أنّ ذلك يُجبِر الزوجة في نهايةِ المطاف إلى اليأسِ من إمكانية حصولها على الخلاص، فتتجه إلى خيار التنازل عن حقوقها مقابل حصولها على الطلاق.
وقال المحامي أبو عمرة "إذا ما نجت المرأة من هذه الشهادات الباطلة واستطاعت إثبات حقها، فإنَّ المحكمة لا تمنحها كامل حقوقها الشرعيّة كمطلقة بسبب مبادرتها هي بالطلاق، في هذه الحالة يُقدِّر القاضي مقدار الحقوق التي ستحصل عليها وهي عادةً ما تكون النصف أو أقل من ذلك؛ لهذا نرى أن القانون لا يُنصف المرأة بسبب عدم منحه إياها حقوقها الشرعية كمطلقة".
وتختلف قضايا التفريق في المحاكم الشرعية بقطاع غزة، إذ عدَّدَها نائب رئيس محكمة الاستئناف الشرعية الشيخ عمر نوفل، بدءًا بالتفريق لعدم الإنفاق، والتفريق للهجرة والتعليق، إضافة إلى التفريق للنزاع والشقاق، وكذلك التفريق للغيبة والضرر، وأخرى.
وفي الوقت الذي أشار فيه نوفل إلى أنَّ قانون التفريق للضرر من الشقاق والنزاع، وُضِع من أجل إنصاف المرأة وكسر احتكار الرجل لمسألة طلاقها، مخالفًا بذلك رأي المحامي أبو عمرة، قالت مديرة مركز شؤون المرأة بغزة، آمال صيام، "إنَّ المجتمع الفلسطيني هو مجتمع ذكوري بطبعه، وهذا يعني أنَّ القوانين المعمول بها في قضايا الفصل بين الزوجين، تتناسب مع احتياجات الذكور أكثر من الإناث".
وترى صيام أنَّ ثمة خطوات يجب فعلها من أجل حماية وضمان حقوق المرأة المعلقة، إذ تطالب الجهاز القضائي الشرعي في فلسطين، بضرورة تسهيل إجراءات التقاضي للمرأة وتسريع البت في قضاياها، وتخصيص محاكم متخصصة للنظر في قضايا النساء المعلقات.
كما طالبت المجلس التشريعي الفلسطيني بسنّ قوانين تتناسب مع احتياجات المرأة، وألا تُبقيها معلّقة لسنوات حتى ضياع عمرها.
وهنا توجهت "آخر قصة" إلى رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني، محمد فرج الغول، للتعرف على الدور الذي يمكن أن يلعبه البرلمان تجاه إنصاف النساء المعلقات، فقال: "نحن بصدد اعتماد قانون أصول المحاكمات الشرعية الذي يضمن حقوق الرجل والمرأة أمام المحاكم الشرعية بالقراءة الثانية بعد اعتماده بالقراءة الأولى سابقًا".
وبينما أفاد الغول أنّ القوانين المتعلقة بالمرأة أمام المحاكم الشرعية والمتوفرة اليوم بحاجة إلى تطورٍ دائم، إلا أنّه عدّها كافية لضمان حق المرأة. كما بيّن أنّ المجلس التشريعي يراقب سير هذه القوانين ويعمل على تطويرها وفقاً للشرع الإسلامي.