يَضطر أحمد ياسين أن يُرسل أبنائه الثلاثة يوميًا إلى مركزٍ تعليمي مُجاور لمنزلهم في حي الزيتون شرق غزة، يَتلقون فيه دروس تقوية تُساعدهم على فهمِ المنهاج الدراسي، خاصّة في المواد الأساسية ورغم أنّه وزوجته جامعيين إلا أنَّ زخامة المنهاج تَمنعهم من القدرة على تدريسِ أبنائهم في البيت.
يحمل ياسين شهادة في إدارة الأعمال وزوجته دبلوم علاقات عامة؛ ومع ذلك يواجهون صعوبة بالغة في تدريس أبنائهم الذين يتفاوتون ما بين المرحلة الأساسية والإعدادية، يقول لـ "آخر قصّة"، "تتراوح أسعار الحصص ما بين 25 إلى 50 شيكل بينما يختلف سعر المواد الرئيسية عن الأخرى".
وبحسبِ مركز الندى التعليمي المتواجد في مخيم جباليا شمال القطاع، فإنّ أسعار الدروس تأتي ما بين 20 شيكل- 50 وتصل إلى 100 شيكل إذا طلب الأهل مدرس خاص لابنهم، وتتنوع المواد ما بين لغة انجليزية ورياضيات وفيزياء وكيمياء وغيرها.
تُشكّل هذه الأسعار عبئًا على كاهل ياسين الذي لم يجدَ عملًا في تخصصه فلجأ للعمل في المحلات التجارية بأجرِ عشرين شيكل في اليوم، لكنها لا تكفي لقضاءِ حوائج البيت وتوفير أهم المستلزمات الأساسيّة.
بهذا العمل "المتواضع" يقفُ ياسين في طابورٍ طويل للبطالة في قطاعِ غزة، وصل معدلها إلى 46.6% في العام الحالي 2022، فيما بلغ عدد الخريجين الجامعيين في القطاع 12.469 خريج وخريجة لعام 2019/2020؛ الأمر الذي يُضاعف العبء على رب الأسرة في ظلّ ظروف عمل سيئة ومتطلبات دراسية للأبناء أكثر ثقلًا.
تتشارك ريم عودة ذات الظروف إلى حدٍ ما مع ياسين، بيد أنّها سيدة أرملة منذ 3 سنوات ولديها 4 أبناء، تتولى مهمة توفير الدخل لعائلتها كاملة، وهذه العائلة هي إحدى العائلات التي ترأسها النساء في فلسطين إذ بلغت نسبتهم 11%، بواقع 9% من مجمل العائلات في قطاع غزة لعام 2020، بحسبِ إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
فيما يصعُب عليها تدريس أبنائها إذ أنّها تزوجت زواجًا مُبكرًا ولم تُكمل دراستها العليا، وتعاني أوضاعًا اقتصادية متردية، تقول "ظروفي المادية سيئة لكن المناهج صعبة لذلك أضطر إرسال أبنائي للمراكز التعليمية".
وحول صعوبة المناهج الدراسية وزخمها، دعا المختص التربوي خالد المزين إلى ضرورة إعادة النظر في المناهج التعليمية بما يتناسب مع واقع الطلبة الاستيعابي، قائلًا:" يجب تقريب المعلومات للطلاب، في حال لم تكن هناك نشاطات حقيقية على أرض الواقع، وهذه المناهج مُكثفة بالنسبة للمراحل العمرية الصغيرة".
أما عن عمل المراكز التعليمية يرى المزين أنَّها تعمل على تشويش فكر الطالب، قائلًا: "انتقال الطالب من مدرس لآخر، في المدرسة ثم المركز يعمل على تشتيت ذهنه؛ مما يتسبب بعزوفه عن الدراسة".
ويبدو أنَّ آلاف طالب يُعانون وأسرهم ظروفًا مُشابهة نتيجة دَسامة المناهج التعليمية في بعضِ المواد، حيثُ تجاوز عدد الطلبة الملتحقين بكافة المراحل التعليمية في العام الدراسيّ 2022-2023 هذا الرقم، وتبين في تصريح لوكيل وزارة التربية والتعليم زياد ثابت، أنَّ عددهم بلغ (301411) طالباً وطالبة في عموم مدارس محافظات قطاع غزة.
وبما أنَّ المراكز التعليمية ربحية بالدرجة الأولى، بحسبِ المزين، توجهنا إلى وحدة الترخيص والاعتماد المدرسي في وزارة التربية والتعليم للتأكد من مدى قانونية عمل هذه المراكز وشروطهم في منح التراخيص لها، وقد أفادت مديرة الدائرة منى الصادق بأنَّ الوزارة لا تعمل على ترخيص أيّ مركز يعطي دروس تقوية إلا في حالة وجود مشروع مشترك بين المركز والوزارة.
فيما تمنح الوزارة التراخيص للمراكز بشرط ألا تعطي دروس تقوية؛ بل أن تُنفذ دورات تدريبية وأخرى تثقيفية خاصة بالطلبة، وفق صادق، التي أشارت إلى أنَّ عدد المراكز التي رخصتها الوزارة هي 177 مركز بحسبِ إحصائية للوزارة.
وعن دورهم الرقابي إزاء عمل المراكز التعليمية في دروس التقوية للطلبة، قالت صادق، إنَّ المراكز المتواجدة في المناطق العشوائية تحتاج إلى عددٍ كبير من العاملين للتفتيش وإصدار أمر الإغلاق لكل مركز يعمل دون ترخيص أو يتجاوز شروط الترخيص في العمل، كما أحالت سبب قصورهم إلى ضعف التمويل الوزاري لتوظيف هؤلاء العاملين.
وما بين مساعي الطلبة المتميزين في المحافظة على مستويات دراسية متقدمة رغم زخامة المنهاج، واضطرار الطلبة المتوسطين والضعفاء إلى الالتحاق بالمراكز التعليمية على غلاءِ أسعارها، يعيش الأهالي ظروفًا اقتصادية مُتردية في قطاع غزة.