يعمل محمود خليل (اسم مستعار) لأكثر من 10 ساعات في اليوم، يغيبُ فيهم عن زوجته سعياً للرزق، يقول "طلبت منّي زوجتي أن أشتري لها جوال حديث فأصبحت أعمل لساعات إضافية حتى أوفر لها ثمنه".
بعد اقتناء الهاتف المحمول بطريقة الأقساط، أصبح مُلازمٌ للزوجة جُلّ وقتها، ولاحظ محمود على مرِّ شهور أنّ زوجته تملك مالاً لا يعلم مصدره، وفي كلِ مرة يسألها كانت تجيبه "هذا المال من أهلي"، رغم أن وضع عائلتها المادي الصعب لا يحتمل الإنفاق على ابنتهم المتزوجة، الأمر الذي زاد الشك في قلبه، كما قال.
وما بين شكٍ وقلق استمرت علاقة محمود بزوجته، حتى اكتشف الأمر ذات ليلة، إذ يقول: "وصلتها رسالة على الجوال وهي نائمة كان فيها غزل فاحش، ولمّا استيقظت على صدمتي فزعت كثيرًا واعترضت كيف أفتح جوالها".
تواصل محمود مع أهل زوجته مباشرة واكتشف الصدمة الأكبر كما قال، إن والدتها هي التي ساعدتها في امتهان التسول الإلكتروني والتواصل مع أشخاص من دول مختلفة وتبادل صور غير لائقة أخلاقيًا بمقابل ماديّ.
قصة محمود وزوجته، هي واحدة من بين عدد من حالات الخيانة الزوجية في قطاع غزة، وقد انتهت بصمت وتكتم على الأسباب التزاماً بقواعد العرف والدين. علماً أنه في المجتمعات المُحافِظة كقطاع غزة تبقى الخيانة الزوجية "وصمة عار" يُحملُ عبئها لسنوات ويُصنفها الكثيرون بـ "العرق دسّاس"، متحفظين على لفظها تحت عدّة اعتبارات وضوابط أهمها "العيب"، فضلا عن رأي الشرع.
وللخيانة بين الزوجين "اعتبارات" متعدّدة ومفاهيم أكثر تعددًا نظرًا إلى تعريفاتها المختلفة من شخصٍ لآخر كلٍ بحسبِ منظوره ورؤيته، فمنهم من يرى في "النظرة" خيانة ومنهم مَن يُحجمها في "الخيانة الجسدية" فقط، وهي من منظور نفسي وشرعي، "نقض عهد بين زوجين شريكين".
ولأن الكثير من هذه القضايا يجري تطويقها أو حلّها داخل الخيم العشائرية، فإننا لم نتمكن من الحصول على أرقام دقيقة حولها، فيما إذا اعتبرنا أنَّ بعض الخيانة الزوجية قد قادت إلى الطلاق وفق إفادة بضع الجهات، فلابد من الإشارة إلى أن نسب الطلاق ارتفعت وفق آخر إحصائية سجلها المجلس الأعلى للقضاء الشرعي عام 2021، الذي شهد 4319 حالة طلاق، وهذا الرقم يحمل زيادة بنسبة 23.6% عن عام 2020 الذي سجّل 3493 معاملة في غزة.
وعلى الرغم من الأرقام الآنفة، لا يمكننا إدعاء أن هذه القضية تشكل ظاهرة في المجتمع الغزي، لكنها تشكل أذى نفسي واجتماعي كبير. وفي الوقت الذي تجري فيه مساعي كبيرة لمعالجة قضية الخيانة الزوجية ضمن الأطر العرفية، نجد أنَّ القانون الفلسطيني حفظ الحق للزوج/ـة على حدٍ سواء للتفرقة، وذلك في المادة (132) من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976، الذي نصّ على أنّه "إذا ظهر نزاع وشقاق بين الزوجين فلكل منهما أن يطلب التفريق إذا ادعى إضرار الآخر به قولاً أو فعلاً بحيث لا يمكن مع هذا الإضرار استمرار الحياة الزوجية".
لكن احتكامًا لبيئةٍ تسودها "العادات والتقاليد" فإنّ المحامين يتعاملون عُرفًا في هذه القضايا بـ "روح القانون"، وفق ما أكّد عليه المستشار القانوني أحمد الجبالي، الذي أشار إلى أنّه وبالرغم من حفظ القانون الفلسطيني الحق للمتضرر بالتقاضي، فإنّ هناك خيط رفيع يفصل بين الإجراءات المهنية والإنسانية.
يفيد في مقابلة مع "آخر قصة": "في قضايا الخيانة الزوجية؛ نظرًا لحساسيتها وخاصّة إذا كانت الخيانة من الزوجة نحاول قدر الإمكان عدم إيصالها للمحاكم لحفظ سمعة العائلة ولكن مع حفظ حق الطرف المتضرر".
ورغم أنه في بعض الأحيان يحفظ للمرأة سُمعتها عند ممارسة فعل الخيانة من منظور الزوج، فإنّ المجتمع قد يُلقي عليها اللوم في حال خانها زوجها، ويتركها مع العبء المجتمعي لوصف "مطلقة" بجانبِ اسمها، وفق مروة، التي عاشت مراحل من اهتزاز ثقتها بنفسها بعدما اكتشفت خيانة زوجها لها.
بعد زواج دام ثلاثة سنوات وأثمر عن إنجاب طفلة، آثرت مروة (اسم مستعار)، الطلاق على الاستمرار في الحياة مع شريكٍ "خائن"، تقول: "اكتشفت أنّ زوجي مدمن للمحادثات مع الفتيات، وبعضها كان يشوبها الكثير من الكلام المُقزز".
كان وقع الصدمة كبيرًا على مروة (اسم مستعار) خاصّة أنّها عندما واجهت طليقها بـ "فعلته"، لم يُنكر حينها إذ تعامَل بثبات انفعالي، وقال: "هذا أنا وعليك تقبل الأمر الواقع"، فرفضت ولجأت للقضاء مطالبةً بالطلاق، حسبما روت.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه مروة أن حديث زوجها مع فتيات أخريات هو شكل من أشكال الخيانة، فإن تفسير مفهوم الخيانة الزوجية، من وجهة نظر المختصة النفسية دعاء أبو زرقا، هو"نقض العهد بين زوجين شريكين".
ولنقضِ العهد مفهوم أكثر دقة في الشرع، تُعرفه الداعية سمية عبد الرحمن بقولها: "أنّ يُقيم أحد الزوجين، الرجل أو المرأة، أو كلاهما، علاقة مُحرّمة مع شخصٍ آخر غير زوجه، فيما لم يبيحه الشرع في التعاملات بين الجنسين".
وربط الإسلام الخيانة بالكفر تشديدًا على تحريمه إياها، وكان قد أسمى الزواج بدءً بـ "الميثاق الغليظ" لِقِيمَته الكبيرة دينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، وفق الداعية عبد الرحمن، التي أفادت أنّه حذّر من كل ما يؤدي لنزع قدسية الزواج كالزنا، ونهى عن المواعدة والمُلاطفة وما إلى ذلك، داعيًا إلى غضّ الطرفين البصر وحفظ النفس والجسد من الأهواء.
ومما لا شك فيه أنّ الخيانة الزوجية التي يرى البعض أثرها ينحصر في "طرفي العلاقة"، فقد تمتد إلى أطراف أخرى ذات صلّة وقد تكون أكثر تضررًا، وفق ما أفادت به المختصة الأسرية عروب الجملة.
وتصف المختصة "الجملة" هذه القضية، بأنها جريمة خطيرة، تؤدي إلى ضياع مفهوم التفاهم بين الزوجين؛ مما يتسبب في الطلاق وتشتت الأسرة، وتقول لـ "آخر قصة"، "عندما تحدث الخيانة وبغض النظر عن المُتسبب بها فإن الأبناء هم أكثر فئة متضررة لأن والديهم هم قدوة لهم، فإذا كانوا أطفال أو مراهقين سيتأثر تركيب الفكر لديهم مستقبلا".
وفي محاولة لتجنب وقوع الخيانة الزوجية لابد من الإشارة إلى أهميّة التوعية المجتمعية على كافة الأصعدة شرعًا وقانونًا عن طريق إقامة ورش توعوية يُشرف عليها مختصين وتُحذر من آثارها وتداعياتها سواء كانت خيانة الكترونية أو واقعية، وطرق تجنبها بالحفاظ على مكارم القيم والأخلاق.