غَليان أصَاب السوق التجارية، إثرَ إعلان وزارة الاقتصاد في غزة رفع رسوم إذن استيراد على مجموعة من السلع والمواد الغذائية المستوردة عبر حاجز "كرم أبو سالم" جنوب قطاع غزة؛ الأمر الذي دفع التجار للخروج في تظاهرات ووقفات احتجاجية مطالبين بتعليق القرار الذي وصفوه بـ "المجحف" و"المجانب للصواب".
لم يتوقف الأمر عند التجار الذين يتوقعون أن يعرضهم لخسائر فادحة وللقطاع الاقتصادي برمته، فقد شملت الشكاوى المواطنين المستهلكين الذين يُعانون من أوضاع اقتصادية مُتردية عامةً، ويواجهون انعكاساً سلبياً مباشراً نتيجة للقرار.
ويعتبر عدلي السودة رئيس مجلس إدارة شركة السودة للمواد الغذائية، أن للقرار تداعيات سلبية على التجار، قائلاً: "سيضُر هذا القرار بأعمال التجار المستورِدين وذلك بتسريح المئات من العمال في هذه الشركات التي يُقدَّر عددها بـ 300 شركة، بحيث يمُكنه أن يَتَسبب بخسائر بنسبة 30% لكل شركة على حِدا".
أضاف السودة في سياق حديثه لـ"آخر قصة": "قد يتسبب القرار أيّضًا بخسارة التجار لوكالات عالمية لاستيراد بعض السلع التي ليس لها بديل في غزة بعد سنوات من بناء جسور الثقة معهم، كما سيُخلّ بالميزان التجاري خاصة في ظلّ عدم توفر مخزون احتياطي من المواد الغذائية في القطاع نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تُثقِل كاهل القطاع الصناعي وتتسبب بخلل في توفر المنتجات الأساسية".
وعن نتائج الاحتجاجات التي نظمها التجار قال السودة: "طرقنا كل الأبواب وبعد عدم الاستجابة اضطررنا لتسجيل قضية في المحكمة الإدارية وصدر قرار بوقف إجراءات وزارة الاقتصاد الأخيرة ورفع الحجز عن بضائعنا"، مشيرًا إلى أنّهم (كتجار) يدعمون قرارات الحكومة "المنصفة"، في الوقت الذي دعاها فيه إلى أن إعادة دراسة القرار ونتائجه على التجار.
وفي الوقت الذي رفض فيه تجار آخرون الحديث عن تداعيات القرار على شركاتهم، أجرت "آخر قصة" جولة على الأسواق المحلية، للتعرف على آراء المواطنين تجاه الأسعار، فواجهت مجموعة كبيرة من الشكاوى، في مجملها تشكل اعتراضا على رفع الأسعار في الوقت الذي يواجه فيه السكان تدني مستوى الدخل، واعتماد أكثر من 50% منهم على المساعدات الإنسانية.
وفيما يتعلق بردّ وزارة الاقتصاد الوطني على هذه الشكاوى، أفاد مدير عام السياسات والتخطيط في الوزارة أسامة نوفل، بأنّ التاجر الواحد يعمل في عدة سلع مستوردة أساسية وعندما يتم فرض رسوم على سلعة واحدة منها فلن يكون هناك تأثير كبير، وقال: "بعض التجار معنيين بزيادة أرباح خيالية على حساب المصانع المغلقة وهذا لا يصب في الصالح العام".
وردًا على اعتراض التجار على استثناءهم من المشورة حول رغبة الحكومة رفع رسوم إذن الاستيراد وتداعيات ذلك عليهم، قال نوفل عبر "آخر قصة": "لقد جلست الوزارة مع جميع الممثلين والهياكل المتصلة بالتجار، وتمّ إصدار هذا القرار بالتوافق والتراضي قبل 3 أشهر من الآن حيث تركنا هذه المدة للتجار ليجمعوا ما أرادوا من بضائع ويملؤوا مخازنهم قبل تنفيذ القرار".
في الوقت ذاته أشار إلى وزارته عقدت اجتماعا سابقا مع اتحاد الصناعات لاشتراط أن تحافظ السلع الـ24 التي تقرر تضمينها تحت بند الحماية، على جودتها وسعرها، "وفي حال تراجعت الجودة أو ارتفعت الأسعار عمّا تمّ الاتفاق عليه ستتوقف الوزارة عن حمايتها" كما قال.
وأوضح مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني، أن القرار تمّ تداوله من خلال تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الاقتصاد والاتحاد العام للصناعات الفلسطينية والاتحادات الفرعية للصناعات المختلفة والغرفة التجارية ومركز تطوير التجارة للتباحث في تغيير رسوم الاستيراد التي لم تكن تحمي المنتج المحلي.
وأشار نوفل إلى أنّهم بدأوا في الوزارة بتطبيق السياسات والإجراءات الحمائية، مؤكدًا على وجود تحسن ملحوظ في المؤشرات الاقتصادية في الصناعات من خلال زيارات ميدانية وإحصاءات حول المصانع التي افتتحت حديثًا للملابس وغيره من المنتجات وقراءة مؤشرات تتعلق بالقوى العاملة والتشغيل ودراسة مدخلات الانتاج ومدى تأثيرها على الإنتاجية.
وأما عن الخطوات التي تمّ اتخاذها لدعم المنتج المحلي والمصانع، فقد أشار نوفل إلى تخفيض الضرائب المفروضة عليهم والرسوم الجمركية وتحمُل الوزارة 20% من فواتير الكهرباء، إضافة لإعطاء المنتج المحلي أفضلية بنسبة 15% في العطاءات الحكومية زيادةً عن المنتجات المستوردة.
وبصرف النظر عن دوافع الوزارة في رفع رسوم إذن الاستيراد، فإن هناك من ينظر له على أنه يجب أن يصدر عن الجهة التشريعية وليست التنفيذية.
وقالت مروة أبو عودة منسقة المناصرة والمساءلة الاجتماعية في "ائتلاف من أجل النزاهة والشفافية أمان"، إن هناك فجوة بين الجهة التي تسن القرار والتي تُشرعه، مبينةً أن القوانين المرتبطة بزيادة الرسوم والضرائب من اختصاص المجلس التشريعي، لكن جرى تعديل في قانون رقم (1) لعام 2016، الذي أُعطِي بموجبه صلاحية تنظيم آلية فرض الرسوم والتعديل عليها للجنة تم تشكيلها في غزة تتكون من أربع وزارات.
مواد هذه القوانين تشمل صلاحيات هي بالأصل صلاحيات السلطة التشريعية؛ كما قالت أبو عودة لـ"آخر قصة"، "ولكن جرى إدراجها في القوانين على أنَّها للسلطة التنفيذية وهنا ظهر الخلل، فتعديل القانون السابق سَمَح للوزارات أن تتغول في اتخاذ القرارات بدون الرجوع للمجلس التشريعي الذي يُعطي الوزارة الحق بفرض الضريبة حتى 100 دينار أردني، بينما لم يُحدِد الكمية التي تُفرَض عليها هذه القيمة؛ لذلك أعطى عدم الثقة للوزارة صلاحيات دفعتها لاستعمال خاطئ له من أجل زيادة إيراداتها المالية".
وفي غمرة الجدل القانوني، يتناهى صوت اقتصادي، يرى أن القرار الحكومي، يصب في مصلحة الإنتاج المحلي، صاحب هذا القرار هو المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر، والذي قال: "يَصب هذا القرار في مصلحة الإنتاج المحلي خاصة في ظلّ المؤشرات الجيدة التي أظهرها تطبيق القرار من تشغيل حوالي 400 عامل في مصانع الخياطة والعمل على تحسينِ أوضاعهم وساعات عملهم".
وأضاف أبو قمر في سياق حديثه لـ"آخر قصة": "هناك ثغرة في تنفيذ القرار بفعل عدم وجود دراسة كاملة لجوانب القضية وقدرة المنتج المحلي على تغطية الفجوة التي يخلقها غياب المنتج المستورد"، واستشهد أبو قمر بالزيّ المدرسيّ حيثُ جرى منع استيراده من أجل منح السوق المحلي القُدرة على تلبية احتياجات طلاب وطالبات المدارس؛ ولكن بفعل شُح المواد الخام وزيادة الطلب فشل المُوَرِد المحلي على تلبيتها.