يُشبه تَحريك الدُمى بعثِ الرُوح فيها، وقد عملتُ أنا مهدي كريري (40 عامًا) على جعلِ "الماريونيت" تَضحك وتَتحدث في قصصٍ تُلامس الواقع، بيدَ أنّه قد يبدو لكُم الأمرُ سهلًا على الرغم من صِعوبة تَحققه باستخدامِ عددٍ من الخُيوط الرفيعة فقط.
لم يأتِ انخراطي في هذا العمل عبثًا، فقد عملت بدايةً في مجال الكتابةِ الإبداعية وتدريب المعلمين على الدراما والتعلّم النشط والحكواتي، وكان هذا سببًا لانعطافي نحو فن صناعة عرائس "الماريونيت"، لكن عدم وجود تجارب سابقة في غزَّة جعل الأمر تحدياً بالنسبة لي فدائمًا مَن يبدأ من الصفر يكون مشواره أصعب وأطول..
وكانت البداية من خلال التعلم الذاتي عبر الانترنت ومنصة "اليوتيوب" التي شاهدتُ عَبرها عدد لا ينتهي من المقاطع لمُخطّطات صناعة الدمى، ثم انتقلت للتطبيق العملي من خلال خبرتي فحاولت تجميع أفكاري واستخدام كل ما لديّ من موادٍ خام جديدة كالأقمشة وعجينة الورق والجبص ومواد أخرى مُعادة التدوير لأصنع الدمية الأولى.
لا أخفيكم أن السعادة غمرتني بعدما أنتجت أول دمية رغم أنها كانت مليئة بالعيوب والتصليحات، وكانت أكثر الصعوبات التي واجهتني هي تحريك الجسد والفم، لكني تواصلت مع عدد من الفنانين العرب الذين ساعدوني على الوصول لمخطط تحريك الفم وبعدما أتقنته كوّنت فريق يساعدني في عروضي المسرحية لتحريك الدمى.
لم يقتصر الأمر على صناعة الدمى فقد امتد إلى كتابة القصص والسيناريوهات وتصميم ملابس العرائس، التي تأتي جميعها بعد البحث جيّدًا عن شخصيّة كل دمية لصناعة ما يُلائم دورها، وكان لقاء هذا الجهد الطويل طلبات عديدة لإنتاج عروض لصالح مؤسسات وجامعات وغيرها.
عملت على تسجيل عروض ونشرها عبر الانترنت، بالإضافة لعروض أخرى نفذتها في غزة تحت عناوين كبيرة مثل المحافظة على المياه، الخرس الاجتماعي، حق الميراث، الحق في الحياة. وقد نالت استحسان الحضور فأنا أرى أنّ وصول الرسائل المهمة من خلال العروض الفنيّة يكون أسهل وأكثر جدوى من الخطابات والحديث الطويل.
كان من أكثر الأيام السعيدة التي قضيتها هي عندما عرضتُ عرض مسرحيًّا بالدمى في أحدِ المناطق المهمشة وشعرت أني فعلاً صنعت سعادة الأطفال، فيما أثارني تعجبهم ومحاولتهم فهم طريقة عمل الدمى وتحريك فمها وأعضاءِ جسدها؛ ما جعلني لو أن المشروع يملك باصًا نتنقل فيه أينما شئنا وننشر الابتسامة كما تنثر حبوب القمح للطيور.
آملُ أن يصبح لدينا مسرحٌ دائمٌ لعروض دمى "الماريونيت" في غزة، نطرح من خلال القضايا الاجتماعية والسياسية والفنيّة بقوالب مختلفة ومتعددة وبطابعٍ جديد نرسم عبره الابتسامة على وجوه الصغار المُتعطشين للفرح في بلادنا التي يُعاني فيها الأطفال من أبسط حقوقهم.