عشرات من المرضى في حالاتٍ يُرثى لها، يتزاحمون في قاعات الانتظار بالعيادات الخارجية للمشافي الحكومية بقطاع غزة، فيما يمرُ الوقتُ ثقيلًا عليهم وهم يُعانون الأمَريّن، المرض مرة، والانتظار ألفِ مرة، في وضعٍ بدا مُكررًا ومألوفًا إلى أهالي القطاع الذين بمجرد أن يُحوّل ملف أحدِهم إلى العيادة الخارجية يُدرك أن عليه الخروج من المنزلِ باكرًا والتحضُر لانتظارٍ طويل.
في ذلك الرُكن ينتظر أحدهم على كُرسيه المتحرك، وفي هذا تجلسُ سَيدة بلغت من العمر عتيّا مستندةً على كتفِ ابنتها، وهنا وهناك أحد ذوي الإعاقة مع مُرافِقيهم، وغيرهم مُسنون في أرذل العمر قادِمون بخُطى مُتثاقلة، حالة عامة من الإجهاد والتعب تبدو واضحة على ملامح الجميع سواء كانوا مرضى أو مرافقين، أضِف عليها المعاملة "غير الجيدة" من بعضِ الكوادر الطبية التي تزيد الطين بلَّة.
في بهو قاعة الانتظار الصغيرة في العيادة الخارجية بمستشفى الأقصى وسط قطاع غزة، تُرافق منال أبو صواوين والدها السبعينيّ، منذُ ساعاتِ الصباح الباكر وهو أحد كبار السنّ الذين يُشكّلون ما نسبته 5% من إجمالي سكان قطاع غزة حسب إحصائية مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2020. فيما تعتبر مستشفى الأقصى هي الوحيدة بين أربع مخيمات ذو كثافةٍ سُكانية عالية وهم، مخيم البريج، النصيرات، دير البلح، المغازي.
تقول منال: "لولا الحاجة لما اضطر هؤلاء المسنون المجيء والانتظار لساعات طويلة من أجل تلقي العلاج، كما أننا ننتظر هنا مرة ومرتين في اليوم الواحد، فعندما يطلب الطبيب تحاليل أو أشعة، نذهب لإتمامها ونعود من جديد لطابورٍ آخر قد يمتد ساعات أخرى للدخول إلى الطبيب لكتابة العلاج التي لا تأخذ دقائق محدودة".
يُعاني معظم المسنين أمراضًا مزمنة، فهذا الخمسيني محمد حماد مُصاب بأمراض السكري وضغط الدم، ويشكو سوء معاملة الأطباء وقد تجلّت علامات الإرهاق على وجهه جيّدًا، يقول لـ "آخر قصة": "توجهت للطبيب أريد أن أسأله سؤال فردّني بحدّة ورفع صوته وهو يقول كل الجالسين يريدون أن يسألوا نفس سؤالك".
إلى جانبِ ذلك، يُحال العديد من المرضى بعد الانتظار ليومٍ كامل، إلى العودة في الأسبوع المُقبل بعد اكتفاء الطاقم الطبي بعددٍ مُحدد نتيجة الاكتظاظ الكبير في القاعة، فيما يشتكي مرضى مما اسموه "الواسطة" والتي تتجسد من منظورهم في تقديم ملفات بعض المرضى على آخرين ويُسمح لهم بالدخول للكشف، بفضل وجود "صلة عائلية أو صداقة تربطهم بأفراد الطاقم الطبي" على حد وصفهم.
ويتنافى ما يحدث في العيادات الخارجية بمشافي قطاع غزة، من انتظار طويل وازدحام كبير وفوقية في التعامل، وتفضيل بعضهم على الآخر مع ما يُقرّه القانون رقم (31) لسنة 2018م، في المادة رقم (6) بشأن الحماية والسلامة الطبيّة والصحيّة، حيث ينص على أن: "يلتزم مقدم الخدمة الطبية والصحيّة عند أداء عمله بالقواعد والإجراءات الخاصة بممارسة المهنة والقواعد المهنية".
كما يشترط مراعاة الآتي: "المساواة بين متلقي الخدمة تبعاً لأحوالهم الصحية، تأدية واجبات العمل على النحو الذي يكفل راحة متلقي الخدمة، وبذل العناية له، وفقاً للقواعد المهنية والأصول العلمية المتعارف عليها، والتعاون مع غيره ممن لهم علاقة من الدرجة الأولى بمتلقي الخدمة، وتقديم ما لديه من معلومات عن حالته الصحية، والطريقة التي اتبعها في رعايته."
يحفظ القانون حق المرضى بتلقي العلاج والمعاملة الحسنة لكن ما مدى تطبيق هذا القانون؟ يقول المحامي أسامة سعد: "إنَّ القانون الفلسطيني يؤكد على حق المرضى بتلقي العلاج، وهناك نصّ واضح في القانون يُشدد على وجوب تلقي المرضى للعلاج اللازم والمعاملة الجيّدة من قِبل الأطباء، ولكن في المقابل لا يلتزم الجميع بتطبيق القانون، لذلك من المفترض أن يكون هناك عقوبات واضحة لكل مَن يُخالفه".
ويعزو مدير العمليات والعيادات الخارجية في مستشفى الأقصى هاني حمادة، الازدحام إلى سببين رئيسين، وقال: "السبب الأول هو توافد المرضى بشكلٍ غير منتظم للعيادة وقدوم بعضهم دون الحجز مسبقًا عبر نظام الحوسبة الخاص بالمستشفيات، والثاني هو ضيق مساحة العيادة مقارنة بأعداد المرضى"، مبيّنًا أنّ عدد العيادات الخارجية الخاصة بالمستشفيات هو 13 عيادة، فيما يتوافد إلى كلٍ منها ما بين 700 إلى 800 مريض يوميًا.
أما عن شكوى المرضى مما يصفونه بـ"سوء معاملة" من قبل بعض أفراد الطواقم الطبية، فقال حمادة: "على المرضى تقديم شكوى مباشرة في حال تعرضوا لسوء معاملة"، مشيرًا إلى أن هذا الأمر مرفوض تمامًا من قبل إدارة المستشفى وهناك إجراءات صارمة تُتَخذ بحقهم حيث تعمل الوزارة على تشكيل لجنة والتحقيق في الشكوى، ومراقبة المشكلة وحلّها حتى النهاية".
تعتبر مشكلة الازدحام في العيادات الخارجية مشكلة عامة في جميع مستشفيات قطاع غزة البالغ عددها 13 مستشفى بحسب إحصائية المركز الفلسطيني، وتتضخم في مجمع الشفاء الطبي الذي يُعد أكبر مستشفيات القطاع، وقد أفاد مدير المستشفى محمد أبو سلمية بأنَّ العديد من المستشفيات تُحوِّل مرضاها إلى مستشفى الشفاء؛ مما يزيد من العبء على كاهل العيادة الخارجية فيها.
وقد اتفق في قوله حول أسباب المشكلة مع هاني حمادة، مفيدًا أنَّ ضيق المساحة وقِدَم البناء والكثافة السكانية التي تزداد يومًا بعد يوم، وقدوم العديد من المرضى في غير موعدهم، جميعها أسباب في تفاقم هذه المشكلة، وأكّد على أن فكرة توسيع مساحة العيادة الخارجية مطروحة ضمن الخطط المستقبلية لتطوير العمل وتنظيمه.
وإلى أن تقوم بعض المستشفيات بتنفيذ خططها حول توسيع ضيق المساحة أو إلزام المرضى بالحجزِ المسبق عبر نظامِ الحوسبة والقدوم في مواعيدهم المُحددة، ستبقى مشكلة الازدحام في العيادات الخارجية التي قد تُصاحبها سوء معاملة بعض الكوادر الطبية مع المرضى عالقة دون حلّ.