تجربة رجل دفاع مدني.. عن ذاكرة الأحداث المكتنزة بالخوف

القلق رفيقه

تجربة رجل دفاع مدني.. عن ذاكرة الأحداث المكتنزة بالخوف

يعملُ أشرف عبد النبي (43 عاماً)، في جهازِ الدفاعِ المدني بقطاعِ غزة، وهو قاطنٌ في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، غير أنّه في أوقات الطوارئ يتوزع عمله بين محافظاتِ القطاع الخمس.

يرتدي عبد النبي لباساه التقليدي، وهو يجلس على كرسي بلاستيكي في مكتب الدفاع المدني بغزة، وأمامه جهاز هاتف وآخر لاسلكي ويستخدم الاثنان في الحصول على التوجيهات للقيام بمهمته في عمليات إخماد الحرائق وإنقاذ المواطنين.

تبدو الأجواء الصباحية مطلع أكتوبر هادئة إلى حد كبير، داخل هذا المقر، تأتي بين حين وحين إشارات عبر الجهاز اللاسلكي، غير أن "الوضع مطمئن"، يقول الرجل ويبتسم.

ولم يعتد عبد النبي على هذا الهدوء كثيراً، إنها فترات متقطعة تلك التي لا يعيش فيها القطاع عدواناً إسرائيلياً، يدفعه وغيره العشرات من طواقم الدفاع المدني لممارسة مهماتهم دون كد أو ملل، رغم أنهم لا يمتلكون معدات عمل كافية تؤهلهم للتعامل مع المهمات المعقدة.

يشير عبد النبي إلى تعرضه للكثير من الأحداث المُروعة خلال تنفيذه مهمات عمل مختلفة، منذ أكثر من عقد من الزمن، ويقول: " تعلق في ذاكرتي الكثير من المشاهد والتي لا يمكن التخلص منها، نتيجة توالي الأحداث.. نحن لا نستطيع الحصول على نفس عميق لفترة طويلة، يداهمنا التصعيد بين وقت وآخر!".

وأضاف: "مررنا بالكثير من المواقف، وهناك الكثير من الروايات والمشاهد المتعلقة بالشهداء والجرحى والأشلاء التي ننتشلها من تحت الركام، وهذا كله أدخلني في حالة نفسية سيئة، ففي كل ركن من أركان القطاع هناك حادثة وتفاصيل مروعة لا يمكن تجاهلها أو نسيانها".

لم يكمل عبد النبي دراسته بسبب ظروفه المادية الصعبة، مما جعله يلتحق بجهاز الدفاع المدني بعدَ أن خاضَّ الكثير من الدورات المُكثفة والتدريب شهور طويلة، ولكن العمل الميداني يختلف كثيرًا بحسب قوله.

لا ينفك الرجل عن الخوف والقلق على حياة أطفاله الأربعة بشكل دائم، خصوصا عندما يتعامل مع حادثة ضحاياها من الأطفال، وقال: "لا يمكن استثناء أطفالك من المشهد، لأنهم وغيرهم المئات من الأطفال معرضون لمثل هذه الاحداث نتيجة القصف الذي لا يأبه بالمدنيين".

ويروي المواقف الأكثر وجعاً على قلبه قائلًا: "في عدوان عام 2014، كانت الأجواء مزدحمة بأصوات الصواريخ، جاء طلب مساعدة من أحد السكان في شمال قطاع غزة، لكن تفاجئنا بوجود العديد من الأطفال ذوي الإعاقة لم يتمكنوا من الخروج"، في تلك اللحظة تذكرتُ أطفالي وبدأت بالانهيار رويدًا رويدًا.

لم يكن التعافي من هذا الألم بالأمر الهين، بل كان في كل مرة يواجه فيه قطاع غزة عدوانًا جديدًا، يتعرض هو وزملائه في العمل للكثير من العقبات التي تحيط بهم من كل اتجاه، قلة الإمكانيات وأدوات الحماية التي من المفترض أن تتواجد ولكن بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ستة عشر عامًا، لم تعد تتوافر بشكلٍ كاف.

ينتقد عبد النبي عدم وجود قانون قادر على حمايتهم هو ورجال الدفاع المدني الآخرين، رغم أن اتفاقية جنيف شملت طواقم الدفاع المدني من ضمن حماية المدنيين، لكنه يقول إن "ذلك غير كاف على أرض الواقع.. فالكل هنا معرض للخطر".

إزاء ذلك قال الناطق باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، إن طواقم الدفاع المدني تواجه الكثير من الصعوبات في محاولة الاستمرار في عملها، بسبب قلة الإمكانيات وعدم وجود آليات عمل كافية ومناسبة تساعد على سرعة إنقاذ الأرواح خلال الكوارث والحروب وتوفر الوقت والجهد.

وأشار بصل إلى أن هناك ثمانية عشر مركزًا للدفاع المدني في قطاع غزة موزعة وفقاً للموقع الجغرافي، وتتوزع على النحو التالي: غزة 45، شمال غزة 62، الوسطى 13، خانيونس 7، رفح 10.

أما فيما يتعلق بمركبات الدفاع المدني والبالغ عددها 22 مركبة، فأشار إلى أنَّها مُتهالكة تعمل بشكلٍ مترهل ودون كفاءة وهي بحاجة إلى تجديد بفعل تضررها بعد العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2021".

حال أشرف عبد النبي ورفاقه من رجال الدفاع المدني، كحال الكثير من المدنيين الذين يعملون في مهنٍ مختلفة معرضة حياتهم للمخاطر، لا يحميهم قانون محلي أو دولي، فضلا عن وجود حصار يحظر السماح بامتلاك معدات قابلة للحماية من الموت.