في يونيو الماضي، تخرج العشرات من كليّات طبّ الأسنان بجامعتيّ الأزهر وفِلسطين بقطاع غزة، وسط أجواء مبهجة وفرحة غامرة بالوصول إلى هذا اليوم بعد خمسِ سنواتٍ من الكد وتحمل عناء الدِراسة وعبء الرُسوم الجامعيّة الباهظة في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها سكان القطاع.
خريجون بأثوابِ منمقة يَصل عددهم إلى (177 خريجاً) لدفعة 2022 يقفون على باب الحُلم، منّهم مَنْ رَسمَ خُطواتٍ للمستقبل بفتح عيادته الخاصة وغمره الحماس لبدء مشواره المهنيّ -أخيرًا- بعدما أصبحَ مُؤهلًا للقب "طبيب أسنان"؛ لكن الواقع لم يكن وردياً.
ويبدأ مشوار حديثي التخرج من كلية طب الأسنان بالدخول إلى برنامج الامتياز، والذي بموجبه لابد أن ينخرط الخريج في تدريب عملي في إحدى القطاعين: الحكومي والخاص، لمدة عام كامل، حتى يصبح مهيئاً للعمل.
غير أن ربيحة الزايغ (23 عاماً) وهي خريجة طب الأسنان في جامعة الأزهر، اصطدمت برفض استقبالها في برنامج الامتياز هي وخريجين آخرين، بذريعة أن البرنامج يعاني من تكدس في ملتحقي "الامتياز".
تقول ربيحة لـ "آخر قصة": "بعد ثلاثة شهور من الانتظار قررنا تشكيّل لجنة من الخريجين للبحث الجديّ في الموضوع، وعندما توجهنا للتنمية البشرية لوزارة الصحة تفاجئنا أنّ الرد كان رفضهم للبدء في برنامج الامتياز بسبب الضغط العالي لأطباء أسنان الامتياز قيّد التدريب في الوزارة".
في ذات الوقت، صدرَ بيان لنقابة أطباء الأسنان في غزة، بتاريخ 25/أغسطس، مَفاده: "أنّ واقع مهنة (طب الأسنان) وصلَ حدّ الاكتفاء وزادَ عن المُعدلات الطبيعية لحاجة المجتمع"، الأمر الذي صَدَمَ الخريجين والطلبة المُنتَظمين على مقاعد الدراسة بكليات طب الأسنان في المستويات الدراسيّة المختلفة، حيث جاء هذا البيان في توعية خاصّة للناجحين في الثانوية العامة نتيجة تدني معدلات القبول للكليات الطبية، بحيثُ وصلَ في الجامعتين السابقتين إلى ما يُقارب (89%)، الشيء الذي زاد بدوره أعداد الملتحقين فيها.
ويتوافق إجراء النقابة مع المادة (3) في القرار الخاص بقانون رقم (2) لسنة 2022م بشأنِ نقابة أطباء الأسنان الفلسطينية، حيثُ ينص على أنَّ "النقابة تسعى لرفع مستوى المهنة وحمايتها والدفاع عنها وتنظيمها، والمحافظة على حقوق ومصالح وكرامة أطباء الأسنان، وتنظيم التعاون بين أطباء الأسنان في مزاولة المهنة".
كان وقعَ الخبر سيّئًا ومفاجئًا للمتخرجين، تتساءل سهام أبو شعبان (23 عامًا) وهي متخرجة من كلية طب الأسنان بجامعة فلسطين: "ما هو شعورك وأنت تسمع فورَ تخرجك أن سوق العمل لا يحتاج إلى المزيد من الأطباء، أين كان هذا الكلام عند التحاقنا بالكلية أليسَ من واجب الجهات المُختصة أن تحصر الأعداد أولًا بأول وتتخذ الإجراءات المناسبة لسوق العمل؟".
بدوره، يقول د. جمال خصوان نقيب أطباء الأسنان بقطاع غزة: "في بداية تأسيس كليّات طب الأسنان، كان الاتفاق مع وزارة التربية والتعليم العالي ألا يتجاوز العدد 50 طبيباً، ولكن تفاجئنا أن العدد يتزايد عام بعد عام دون الرجوع إلى النقابة، كما بعثنا بخطابات إلى التعليم العالي والجامعات خلال العامين الماضييّن، ولكن لم يكن هناك أيّ ردّ إيجابي، وقد اجتمعنا قبل شهر تقريبًا بجامعتيّ الأزهر وفلسطين ووزارة الصحة على أن يتم الاتفاق على استقبال 150 طبيب فقط سنويًا بالجامعتين، ولكن حتى هذه اللحظة لا يوجد قرار نهائي".
وأشار إلى أنَّ أعداد أطباء الأسنان في قطاع غزة يصل إلى 1900 طبيب مُسجلين رسميَّا في النقابة، وبحسبِ إحصائيات خاصّة تقوم بها النقابة فإنَّ العدد سيفوق 5000 طبيب في غضونِ خمس سنوات، وبمقارنة هذا العدد مع التِعداد السكاني في قطاع غزة، فإنَّ عدد الأطباء يفُوق حاجة المجتمع بكثير".
في هذا السياق، قالت فدوان أبو شريعة مدير عام الإدارة العامة للتعيينات التابع لديوان الموظفين- بقطاع غزة، إنَّ أعداد أطباء الأسنان المتقدمين لامتحان التوظيف لعام 2022 الذين انطبقت عليهم كافة الشروط هو 711 طبيبًا، تأهّل منهم 44 للمقابلة، بينما سيتمّ توظيف خمس أطباء فقط. وأضافت: "لن يتم الإعلان عن مسابقة توظيف قادمة إلا عندما يتوفر شواغر، أو احتياج للأطباء في أماكن جديدة.
يُذكر أنّ آخر مرة عُقِد فيها امتحان توظيف سابق لأطباء الأسنان كانت عام 2017 بحيث تمَّ توظيف خمس أطباء فقط من المتقدمين ذلك العام، أمّا في سياق عدم إمكانية عقد امتحان كل سنة كما هو الحال مع التخصصات الطبية الأخرى كالطب البشري والصيدلة، علّلت أبو شريعة ذلك بقولها: "احتياج القطاع الحكومي لأطباءِ الأسنان غير كبير؛ لأنَّ عيادات طب الأسنان غير مُتواجدة في المُجمعات الطبيّة كالمستشفيات؛ بل هي مُقتصرة فقط على الرعاية الأوليّة".
في هذا الإطار، يقول علي أبو سعدة مدير عام هيئة الاعتماد والجودة في وزارة التربية والتعليم العالي بغزة: "هناك مشكلة حقيقية، أعداد الملتحقين بكليات طب الأسنان يفوق الطاقة الاستيعابية للجامعات وأماكن التدريب بوزارة الصحة، وبناءً على ذلك قمنا بتكوين لجنة لضبط معايير الجودة للمُلتحقين بكليّات طب الأسنان بما يتناسب مع قدرات الجامعات، حتى يأخذ كل طالب نصيبه من الناحيتين النظرية والعملية".
والجدير بالذكر، أن هذه اللجنة التي شكّلتها وزارة التربية والتعليم العالي تسعى لاتخاذ إجراءات لضبط أعداد الملتحقين خلال عام "2023-2024"، في حين أنّ الوضع الحالي باقٍ ليُلقي بظلاله على خريجي كليات طب الأسنان دون حلول أو سياسيات مُتوقعة لحلَّ هذه الأزمة على المدى القريب.