هل تتخيل أنّي كنتُ ابنةُ الخامسةَ عشر ربيعًا عندما قررتُ تعلُم قيادة الحافلات، نعم جلستُ خلف مِقود تلك الحافلة الكبيرة ولا أستطيع أن أصف لكَ شعوري حيًنها، والمقود يبلغُ طوله نصفَ طولي ودقات قلبي تكاد أن تُلامسه، أما قدمي الصغيرة بالكاد تصل إلى دواسة الوقود.
أنا سامية أبو علقم، أمٌ لثلاث أطفال، ولدتُ في الولايات المتحدة الأمريكية، أما حلمي فكان قيادة الحافلات وقد بذلت في سبيله الغالي والنفيس وسعيتُ لتحقيقه بكل شغف. وبالفعل مارست المهنة لأكثر من ثلاثين عامًا في أمريكا اكتسبت خلالها مهارات عالية وخبرات واسعة جعلتني أتفوق على الكثيرين من زملاء المهنة.
لم أنسَ كيف كنت أخشى القيادة في اكتظاظ السيارات وكان تواجهني صعوبة بالغة في الرجوع للخلف، ولكني مضيت بلا تردد نحو هدفي إلى أن أجدّته. اليوم وقد بلغتُ من العمر خمسينَ عامًا عندما أنظرُ إلى نفسي ينتابني شعور بالفخر العظيم بنفسي وبوالدي الذي أنشأني على الاستقلالية ونمّى بداخلي حب الطموح والعمل الكبير.
قبل عام كان عليّ أن أعود لمسقط رأسي في بلدة شعفاط شمال مدينة القدس، بدأت بالتفكير كيف سأقود حافلة في مجتمع عربي يشاهد للمرة الأولى امرأة تقود حافلة، كيف سأقتحم مهنة ذكورية! لكنّي لم أتوقف، قدّمتُ للعمل في شركة للحافلات وبدأت بممارسة مهنتي وشغفي الذي أُحبّ.
أذكرُ أول مرة خرجت فيها لقيادة الحافلة في شوارعِ القدس، كانت علامات الذهول والاستغراب واضحة على وجوه الناس، ونظراتهم المليئة بعلامات الاستفهام لو نطقت لقالت الكثير، من أنتِ؟ كيف تفعلين هذا؟ ألا تخجلي؟ انّها مهنة للرجال.. وغيرها أسئلة وانتقادات لاذعة واجهتها بشكلٍ مباشر وغير مباشر؛ لكنّي استطعت اجتياز هذا الأمر وجعلتُ المجتمع يتقبلني كما أنا.
لم تكن فترة سهلة البتّة، عمل زوجي وابنتي فيها على دعمي بكل ما استطاعوا، وقفوا خلفي بثباتٍ تام، ودعوني للاستمرار في مهنتي الجميلة فكنت بكل فخر السيدة الأولى في فلسطين التي تمارس قيادة الحافلات؛ ما جعلني أطمح للمزيد فلن أتوقف عن مواصلة شغفي في المهنة وسأسعى للتطوير أكثر فأكثر.
في نهاية قصتي أردت أن أقول كلمة لكل الفتيات والنساء اللاتي يمتلكن حلم لكنَ المجتمع يقفُ حائلًا بينه وبينهم، "إن للنجاح مذاق لا يُعوض، تستشعرينه عندما تنتزعين فرصتك من الحياة عنوةً، فالطموح سرّ من أسرار الحياة حافظي عليه وقفي وراء حلمك بقوة".