موظفو بلدية غزة يواجهون سياسة "التقشف" بالاعتصام: نريد حلاً عادلاً   

موظفو بلدية غزة يواجهون سياسة "التقشف" بالاعتصام: نريد حلاً عادلاً   

يقف رائد أبو الليل في الأربعينيات من عمره، وسط زملائه موظفي بلدية غزة محتشدين في ساحة البلدية، رفضًا لقرار تقليص نسبة الرواتب التي يحصلون عليها شهريًا بسبب ضائقة مادية، كما تقول رئاسة البلدية ومجلسها البلدي.

أبو الليل يعمل في قسم هندسة المرور التابع للبلدية منذ 25 عاماً، ويعيل أسرة مكونة من 6 أفراد، وبالكاد يكفيه الراتب لتغطية احتياجاته أسرته، وقال إن ابنته البكر التي تخرجت من الثانوية العامة قبل عامين، لم تتمكن من الالتحاق بالجامعة بسبب حصوله على قيمة 60 % من قيمة الراتب.

وأضاف "تفاجئنا بصرف 50 % من قيمة راتب شهر يونيو الماضي، حيث حصلت على 1250 شيكل فقط من راتبي، مع العلم أننا خرجنا من حرب إسرائيلية مؤخرًا، ونستعد لكسوة أطفالنا مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد، إلى جانب تراكم الديون خلال الفترة الماضية بسبب تقليص نسبة الراتب".

كان يتوقع الموظف الذي يسكن في منزل مترهل مسقوف بالصفيح، أن تراعي البلدية النفقات الشهرية المتراكمة على موظفيها وتقوم برفع نسبة الرواتب إلا أنه تفاجئ كما زملائه الـ 1300 من موظفي البلدية، بتقليص نسبة الراتب على عكس المتوقع. 

واحتج موظفي بلدية غزة على قرار تقليص نسبة الراتب منتصف الشهر الحالي -أغسطس- لتتخذ رئاسة البلدية قرارًا بصرف 300 شيكل سلفة للموظفين من راتب الشهر القادم، الأمر الذي رفضه الموظفين ونقابة العاملين في بلدية غزة التي تفاوضت مع المجلس البلدي ورئاسة البلدية، لكن لم تصل إلى حل مُرضٍ للموظفين والعاملين، ما دفعهم لاتخاذ قرار فتح خيمة اعتصام داخل ساحة البلدية في 22 أغسطس.

ويطالب الموظفون والنقابة، بخفض قيمة الاستقطاع إلى 40%، وتثبيت موظفي العقود العاملين منذ أكثر من 11 سنة وعددهم 74 موظفا، غالبيتهم يعملون في مجال النظافة، إلى جانب إعادة تخصيص النادي البحري للموظفين بالمجان مثلما كان سابقًا، واعتماد شهادات الموظفين المتوقفة منذ سنوات.

صابر ساري، موظف بنظام العقود منذ 11 عامًا، حيث يعمل كعامل نظافة في جميع الأوقات من السنة، يقول "نحن نعمل في الصيف والشتاء، وحتى في الحرب تحت القصف نمارس عملنا دون توقف، فلو توقفنا عن العمل لغرقت المدينة بالنفايات والأمراض".

ساري في بداية عقده الرابع، يعمل بأقل الأدوات والإمكانيات المتاحة، في حين أنّ عمله يتطلب أدوات حماية من الأمراض والجراثيم، وهو ما تسبب بإصابته بأربع أنواع مختلفة من الجراثيم في الدم، الأمر الذي يتطلب منه الحصول على عقاقير وعلاجات، يقول إنها مكلفة ولم تكن بالحسبان.

يتحدث بحرقة "لم نترك بابًا إلا طرقناه للحديث عن مشكلة عدم تثبيتنا، ذهبنا للحكم المحلي ورئاسة الوزراء والمجلس التشريعي، بعدما لم تستجب لنا رئاسة البلدية في حقنا بالتوظيف، لكن لم ينصفنا أحد، وعلى الرغم من ذلك مارسنا ونمارس عملنا بشكل يومي".

أن تكون على بند العقود يعني أنك موظف بلا حقوق، ففي حالة الموظف ساري، لو تعرض لأي إصابة أو في حال منعته إصابته بالجراثيم من الاستمرار بالعمل، لن يكون له أيّ حقوق وظيفية أو عمالية، ولن يحصل على أي راتب تقاعدي، وهو ما يهدد مستقبله بعدما أفنى شبابه بالعمل على نظافة المدينة كما يقول.

إلى جانب زملائه، وتحت خيمة الاحتجاج، يقف الموظف "أبو حسين" -اسم مستعار- والذي يعمل في قسم الصرف الصحي منذ 22 عاماً وهو رب أسرة مكونة من 16 فردًا، ويتركز عمله في غرف الصرف الصحي تحت الأرض، والتي يصل عمقها إلى 15 مترًا، يقول "لا تتوفر لنا أدوات وألبسة واقية أو حتى تطعيمات، وحتى الحليب لا يتوفر بشكلٍ دائم".

ويشرب موظفي الصرف الصحي، الحليب بعد العمل في غرف الصرف الصحي المغلقة لتنظيف الجهاز التنفسي والهضمي من أي استنشاق ميكروبات أو جراثيم.

واشتكى أبو حسين من تلقيه 1200 شيكل عن راتب شهر يوليو الماضي، أي ما يعادل 50 % من قيمة راتبه الشهري، والذي لن يغطي مصروفات أفراد أسرته الكبيرة، خاصة مع بدء العام الدراسي ومتطلبات شراء الملابس والقرطاسية.

وطالب بتوفير راتبه كاملاً كي يتمكن من الانفاق على أسرته، قائلاً "حالنا يرثى له ولا حد بطلعلنا ولا حد بحمينا، بدنا راتب كامل عشان نقدر نعيش". 

من جانبه قال محمد الخواجة أحد أعضاء نقابة العاملين في بلدية غزة لـ آخر قصة، إن النقابة تبنت اعتصام الموظفين والعاملين في البلدية كونهم يطالبون بأبسط حقوقهم المقدسة، ألا وهي الراتب الشهري، مضيفًا "جلسنا في نقابة العاملين مع المجلس البلدي ورئاسة البلدية للتفاوض عدة جلسات، أبلغونا في آخر جلسة أنّ الوضع صعب جدًا سيكون في الأشهر القادمة". 

واستغرب الخواجة ونقابته رد رئاسة البلدية والمجلس البلدي، كون البلدية لديها مستحقات تبلغ آلاف الشواكل على الحكومة وشركة الكهرباء ولم تطالب بها، قائلاً "يجب على البلدية أن تطالب بحقوقها من الحكومة وشركة الكهرباء لأجل صرف رواتب الموظفين، لماذا يتحمل الموظف عبء الخصومات في حين أنّ البلدية لديها مستحقات بآلاف الشواكل؟".

وأشار إلى أن البلدية جمعت ما قيمته 29 مليون شيكل، خلال الفترة الممتدة من (يونيو 2021 -يونيو 2022)، من المستحقات المتراكمة على كاهل المواطنين مقابل الخدمات التي تقدمها، متسائلاً "أين ذهبت ملايين الشواكل التي تم تحصيلها من المواطنين؟، في وقت لم يلمس فيه الموظف أي تحسن أو زيادة على قيمة راتبه التي يجري استقطاع ما قيمته 40% منها شهريًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ونوه عضو نقابلة العاملين في بلدية غزة، إلى أنّ موظفي البلدية يتقاسمون المشاركة في خيمة الاعتصام، حيث يجلس جزء من الموظفين في ساعات الصباح، بينما يعمل عامل النظافة والصرف الصحي في الميدان، وبعد انتهاء عملهم، يشاركون في الخيمة وينتقل من شارك صباحًا من الموظفين لتسهيل أمور المراجعين، موضحًا "لا نريد أن يتوقف عمل موظفي البلدية عن عملهم بشكلٍ كامل وتحصل كارثة بيئية في المدينة، ولن نتنازل عن المطالبة بحقوقنا الوظيفية".

وزار رئيس بلدية غزة، الدكتور يحيى السراج، برفقة بعض من أعضاء المجلس البلدي، خيمة اعتصام موظفي البلدية، موضحًا أنه والمجلس، يقفون مع حقوق العاملين في البلدية، وحصولهم على الرواتب، مشيرًا إلى أنّ البلدية اتخذت قرار سياسة التقشف، وتقليص العديد من المصروفات للتوفير.

كما قال بأنّ قرارًا صدر بعدم صرف راتب رئيس بلدية غزة بشكل نهائي وكامل حتى تحقيق قدرة البلدية على رفع نسبة صرف رواتب موظفي البلدية الشهرية إلى 60%، مطالبًا الموظفين بتجنب الشائعات المنتشرة حول البلدية وإدارتها.

يذكر أنّ موظفي بلدية غزة، يجمعون آلاف الأطنان من القمامة يوميًا من شوارع وأحياء المدينة، وفي حال توقفهم الكامل عن العمل، سيتسبب ذلك بـ مكرهة صحية وبيئية ستنعكس سلبًا على حياة المواطنين.