تقطن رنا الدغمة (29) عامًا، في مخيم البريج وسط قطاع غزة، داخل شقة سكنية لا يوجد فيها تهوية صحية، النوافذ مُغلقة غالبًا رغم حرارة الطقس ومستوى الرطوبة، ولا تستطيع فتحها إلا إذا ارتدت ملابسها كاملة ووضعت غطاء رأس.
تطل شقة الدغمة على شارع ضيق بالكاد يسمح بمرور شخص واحد، وتتراص مساكن الجيران داخل المخيم الذي يطغى عليه اللون الرمادي، بجوار بعضها بشكل يصطلح عليه السكان (عُلب كبريت).
تصف السيدة "رنا" بيتها بأنه "قطعة من النار"، فهو مُحاط بالجيران من كل اتجاهات، قائلة "لا أستطيع النوم في بيتي إلا إذا كان التيار الكهربائي متصلاً لأنه يمكنني من تشغيل "المروحة"، أما البديل فهو فتح النوافذ وهذا يتوجب على أن أرتدي ملابسي كاملة وأضع حجابي، كما لو أني ذاهبة إلى مشوار".
مع الساعة السادسة صباحًا _ موعد انقطاع التيار الكهربائي _ يتوجب على السيدة الدغمة تحضير وجبة الإفطار لأطفالها الأربعة، والدخول إلى المطبخ، وهذا بحد ذاته أمر يتطلب أيضاً ارتداء لباس كامل، لأن دَرْفات نافذة الجيران تفتح على المطبخ مباشرة. ولا تجد "رنا" مفراً من هذا الواقع، إلا بالذهاب إلى البحر برفقة أطفالها، أو زيارة بيت أهلها.
ومخيم "البريج" واحد من بين ثمانية مخيمات موزعة على محافظات قطاع غزة الخمس، ويزيد عدد سكانه عن 43,330 لاجئا، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا.)
وتفرض ظروف الحياة داخل المخيمات والأحياء الفقيرة -التي تمتد على طول القطاع (365 كم²) ككتلة خرسانية- على النساء بوجه خاص، واقع حياتي صعب، لاسيما في ظل انعدام فرص التوسع العمراني نظراً لمحدودية الدخل.
تشير السيدة مها (اسم مستعار)، إلى سطح غرفتها المسقوف بـ"الاسبسبت" المثقب، وتقول: "كما ترون هذا السقف لا يقي برداً ويزيد حرارة الغرفة، ولكن لا حول لنا ولا قوة(..) امتلاك مسكن بديل يحتاج الكثير من المال، وليس بمقدور زوجي الذي يعمل بأجرة يومية بالكاد تكفي لشراء الطعام، أن يفي بذلك".
وتعيش "مها" في مسكن لعائلة ممتدة داخل المخيم، يرافقها فيه أهل الزوج وخمسة من أخوته الذكور، منذ أكثر من عشرين عاماً، وتشتكي من عدم قدرتها الحصول على فرص حياة أفضل.
وقالت: "جُل ملابسي فضفاضة وطويلة، ولا أستطيع الحركة داخل هذا المسكن بدون غطاء رأس، التزاماً بقواعد الدين والأخلاق التي تربينا عليها (..) هي حياة بائسة بالفعل ولكن في نهاية المطاف ليس بمقدوري إيجاد حل"، قالت مستسلمة.
وتُعدّ مستويات البطالة في غزة من أعلى المستويات على مستوى العالم، حيث وصل معدل العاطلين عن العمل خلال الربع الأول من العام 2022 إلى 46.6 % حسب إحصاءات محلية. ويعتمد غالبية سكان المخيمات على المساعدات التي يتلقونها من الوكالة الأممية (الأونروا).
وتنحصر فرص التوسع العمراني داخل مخيمات القطاع، في الشكل الرأسي، حيث تبدو البيوت من بعيد كأنها أعمدة خرسانية متراصة على طول يتراوح بين 3-10 أمتار ويزيد قليلاً في بعض الأحيان.
لا يختلف حال براء موسى التي تبلغ (22 عامًا) عن سابقتها من النساء اللواتي يشكلن 49% من سكان قطاع غزة. تعيش هذه الشابة داخل واحدة من أصل ست شقق سكنية تعود ملكيتها جميعاً للجد، داخل مخيم المغازي وسط قطاع غزة.
ويزيد عدد سكان البناية التي تقطنها "براء" عن 50 فرداً، بعضهم شبان وهم أبناء عمومتها، الأمر الذي يجبرها على الالتزام بارتداء الحجاب ولبس فضفاض يصطلح عليه (لباس الصلاة)، أثناء الحركة داخل البناية.
وتجد براء نفسها بين خيارين أحلاهما مر، إما الالتزام بهذا اللباس عند مجالسة جدتها التي تملك رفاهية شراء الكهرباء وتشغيل المروحة خلال الصيف، أو التخلص من غطاء الرأس والمكوث داخل شقة أسرتها التي تحكم أغلاق النوافذ خشية من أن يراها أحد من الجيران.
ويعاني سكان القطاع من عجز في امدادات الكهرباء، ويزيد عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن ثماني ساعات يومياً بمقابل ثماني وصل، وقلة من السكان يستطيعون شراء الكهرباء المشغلة عبر المولدات التجارية اللازمة لتشغيل أجهزة التبريد لتجاوز أزمة حرارة الصيف.
وينذر هذا الواقع، بمخاطر صحية على النساء وفق ما قاله الأخصائي النفسي صابر أبو حليب، والذي أشار إلى أن الظروف التي تحياها النساء داخل الأحياء الفقيرة تنعكس سلبا على صحتها النفسية.
وقال أبو حليب في سياق حديثه لـ"آخر قصة": "انخفاض الطاقة والافتقاد إلى مصادر التهوية، ومكابدة الحر، كل تلك عوامل قد تكون مسببة لانعدام التركيز لدى النساء اللواتي يقطن وقتاً أطول من الرجال داخل المسكن".
ولفت إلى أن هذا الواقع يخلق ظروفا نفسية سيئة بالنسبة للنساء، والتي منها اضطراب النوم، وتعكر المزاج وفقدان الشهية أو العكس، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، مشددا على أهمية وجود خطط استراتيجية لتحسين ظروف الحياة داخل هذه الأحياء والمخيمات التي تعاني ظروفا معيشية قاهرة.