الناجون من الحرب سقطوا في فخ الصدمة مجدداً: أطفال غزة للخلف در

الناجون من الحرب سقطوا في فخ الصدمة مجدداً: أطفال غزة للخلف در

لا تتوقف الطفلة خديجة موسى في ربيعها الرابع، عن الإشارة بيدها الصغيرة، إلى ركام مسكن جارهم الذي أصابته القذائف الإسرائيلية وأدت إلى مقتل صاحبه وأطفاله الثلاثة.

وعايشت خديجة القاطنة برفقة عائلة صغيرة في مخيم البريج وسط قطاع غزة، عدوانيين منفصلين على القطاع، الفارق بينهم أقل من سنة ونصف، لكنها لم تعتاد على أصوات القصف التي تسببت لها بحالات فزع، وفق قول أُمها.

تحاول الصغيرة، شرح ما حدث، رغم أنها لا تُجيد نُطق حروف اللغة، مستخدمة يداها وحركات جسدها النحيل، ولكن دون جدوى. تهدئ الأم من روع طفلتها بعدما طلبت منها الإنصات وقالت: "هي لا تزال متخوفة من تجدد القصف.. تحاول أن تشرح لكِ كيف هربنا وهي متعلقة بطرف ثوبي بعدما سقطت الصواريخ على بعد أمتار قليلة من مسكننا".

وأضافت الأم، بينما كانت الطفلة خديجة تقف صامتةً بعينين جاحظتين: "بعد سقوط أول صاروخ، وانتشار الغبار في أرجاء المنزل، انحجبت الرؤية ولم أسمع إلا صوتها تصرخ ماما ماما، في تلك اللحظة لمست يدها التي كانت بطرف ملابسي ثم هربنا من المكان على الفور".

وتشير الأم، إلى أن طفلتها رغم مرور أسبوع على وقف العدوان الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تزال تشعر بالخوف المستمر، "غالبًا ما تبكي دون سبب، وتُصاب بالفزع عند سماعها صوت الطائرات، أو صوت صراخ في البيت"، وفقاً للأم.

وخلف العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع المحاصر منذ أكثر من 15 عامًا، 44 شهيداً بينهم 15 طفلاً، إلى جانب حزمة كبيرة من الآثار النفسية والاجتماعية على مختلف الفئات العمرية، وبخاصة الأطفال الذين يشكلون حوالي 47% من عدد سكان القطاع البالغ أكثر من اثني مليون نسمة.

وخديجة ليست وحدها التي تعاني من حالة خوف شديدة نتيجة العدوان، أمير أحمد (7 أعوام) طفل أخر يواجه حالة من القلق الدائم منذ أسبوع، بشكل مبالغ فيه.

يشير والد الطفل أمير وهو من سكان حي الشيخ رضوان وسط مدينة غزة، إن طفله يواجه صعوبة واضطراب في النوم منذ بدء العدوان في الثامن من أغسطس الحالي، وقد تكرر معه التبول اللاإرادي.

وبدأ يتنبه الأب إلى حالة طفله النفسية السيئة نتيجة العدوان، لكنه لا يعرف أين يتجه من أجل إيجاد حل لمشكلته.  

ويعرف برنامج الصحة النفسية، الآثار النفسية الواقعة على الأفراد ما بعد الأزمات والحروب، بـ "اضطراب بعد الصدمة"، ومن أبرز أعراضها الشعور بفقدان الثقة والأمان والدعم الأسري.

ووفقًا لمنظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية، التي رصدت في تقرير لها بعنوان "المحاصرون"، أن 80% من أطفال قطاع غزة يعانون من ضائقة نفسية.

وتقول الأخصائية النفسية في جمعية المستقبل الخيرية سناء أبو عودة، إنّ الطفل يحتاج إلى دعم نفسي بشكلٍ مستمر في حال تعرضه إلى صدمات حتى يتمكن من تجاوزها، مشيرة إلى أنّ العلاج النفسي الأساسي للأطفال، يبدأ من العائلة ثم المجتمع.

وأضافت أبو عودة في حديثها لـ أخر قصة: "لا يمكن لطفل التعافي في ظل ظروف يعيشها قطاع غزة من تكرار للعدوان بين حين وأخر، لذلك يجب إعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن نفسه، فالطفل بحاجة إلى نشاطات قد تشكل متنفسًا لطاقاته وتشعره بأنه قادر على الحكم وقيادة نفسه والسيطرة على محيطه"، منوهة إلى أنه لا يمكن منح الطفل الأمان من عائلته وهم يعيشون في حالة عدم استقرار وأزمات متكررة نتيجة اعتداءات الاحتلال.

ووفقا لمركز الميزان لحقوق الإنسان، الذي أصدر تقريراً سابقاً بعدوان "تحديات الحق في الصحة النفسية في قطاع غزة"، فإن الصحة النفسية تواجه تحديات تعيق تقديم الخدمة وهو ما يشكل انتهاكاً خطيراً لحق أصيل من حقوق الإنسان وهو الحق في الصحة والتي تشكل الصحة النفسية جزءا هاما منه.

ووفقاً لـ"التقرير" فإن تجدد الصدمات وتكرراها بسبب اعتداءات قوات الاحتلال المتكررة على السكان المدنيين في القطاع تأتي في مقدمة تلك التحديات، إلى جانب قلة الوعي المجتمعي بأهمية العلاج النفسي، بالإضافة إلى تداخل خدمات الدعم النفسي ووجود العديد من الجهات التي تقدم خدمات الصحة النفسية دون مراعاة للجودة.  

وحول دور وعمل الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة بغزة، في تقديم خدماتها للأطفال بعد الإصابة بالصدمات جراء الحروب، قال الدكتور إسماعيل أبو ركاب "يتم التعامل مع الأطفال حسب حجم النضج العقلي للطفل، فهناك من يتم شفائه من الصدمة بفترة قصيرة، والآخر يحتاج لوقت طويل، بسبب عدم إدراكه الكامل لحجم الصدمة".

وتعمل المؤسسات المتخصصة بتقديم الخدمات النفسية للأطفال، سواء الرسمية أو المؤسسات الأهلية، على التخفيف من حدة الصدمة النفسية بالرسم واللعب، فيما تختص المؤسسة الرسمية بتقديم الخدمات النفسية التي يتخللها العديد من الجلسات مع الأطفال من أجل إدراك جوانب الصدمة التي يعيشونها، بحسب ما قال أبو ركاب.

ونوه في الوقت نفسه إلى أنّ ما يضاعف من مأساة الأطفال المصابين بالصدمة النفسية في القطاع، هو اقتصار عمل المؤسسات المحلية المختصة بالدعم النفسي، على التخفيف من حدة الصدمة، دون القيام بالعمل على علاجها بشكلٍ جذري، وقال "من يقوم بتقديم الدعم النفسي الكامل وعلى مدى بعيد مع الطفل المصاب هي الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة وليس هناك برامج مشتركة مع المؤسسات الأهلية العاملة في مجال تقديم خدمات الدعم النفسي الخاص بالأطفال".