قبل أيام، تفاجئ تاجر الملابس أحمد أبو سيدو، من تعميم صادر عن وزارة الاقتصاد الوطني في قطاع غزة يفيد بإعلامه فرض رسوم جمركية على البناطيل الجينز والزي المدرسي والعباءات النسائية المستوردة، وهي ذات البضائع التي يعمل على استيرادها من الخارج.
أبو سيدو، كان قبل أيام يعمل على التحضير لشراء كميات جديدة من الملابس تحضيرًا للعام الدراسي القادم، وهو من أهم المواسم التي يعتمد عليها تجار الملابس، تحديدًا العاملين في تجارة الزي المدرسي وبناطيل الجينز، إلا أنه وبعد التعميم الأخير، أصبح يفكر بتقليص الكميات التي كان ينوي استيرادها من الخارج بحسب ما أوضح لـ آخر قصة.
وقال "الناس في قطاع غزة تعاني من أزمات اقتصادية متعددة، وارتفاع أسعار البضائع سيؤدي إلى عزوفهم أو التقنين وشراء ما هو ضروري فقط، وبالتالي لن أستورد بضائع وأخزنها في المخازن، قد تتعرض للتلف أو القدم دون تسويق وهو ما سيعود على تجارتي بالضرر"، معبرًا عن استهجانه لقرار الوزارة الذي يعود عليهم بالضرر.
استتهجان أبو سيدو توافق مع رأي العشرات من التجار المستوردين لأنواع مختلفة من البضائع من الخارج إلى قطاع غزة، حول تلقيهم قرارًا من وزارة الاقتصاد الوطني، يفيد برفع قيمة الرسوم الجمركية على بضائع مستوردة من الخارج، خاصة تلك التي يتم تصنيع بديل لها محليًا مثل بعض أنواع الملابس، وينص القرار على دفع 10 شواقل على كل قطعة "بنطال جينز أو جلباب أو عباية نسائية".
قرار الاقتصاد، حظي بانتقاد واسع في الشارع الغزي الذي يعاني من نسبة بطالة تجاوزت الـ 50.2% بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فيما وصلت نسبة الفقر بين مواطني القطاع إلى أكثر من 69%، حيث اعتبره البعض أسلوبًا للجباية وليس حماية للمنتج المحلي.
الشاب محمد مسعود (33 عامًا)، وهو رب أسرة مكونة من زوجة وثلاثة أطفال، عبرّ عن غضبه من القرار الأخير، قائلاً "احنا يادوب لاقيين شغل باليومية، يوم بنشتغل وعشرة لا، والأجرة اليومية يادوب بتكفي للأكل، لما ترتفع الأسعار في السوق كيف بدنا نقدر ناكل ونلبس".
واستغربت الطالبة مي سهمود (21 عامًا)، قرار فرض ضرائب جديدة على العباءة والجلباب النسائي، في الوقت الذي يعاني فيه والدها من ضعف الدخل الشهري، حيث تحتاج كطالبة هي وشقيقتيها تكاليف يومية لا يتمكن والدها من توفيرها بشكل دائم، وتقول "كيف بدي أطلب من والدي شراء جلبابات جديدة بأسعار مرتفعة عن السابق، مع العلم الجلباب لبس أساسي لدينا وظروفه المالية في تراجع؟".
وتابعت "المشكلة تمكن في رداءة بعض المنتجات المحلية مقارنة بـ المستوردة، وبخاصة في طبيعة الخامات المستخدمة في عملية تصنيع الملبوسات".
أما التاجر رأفت نعيم، فتساءل: "هل هذه المبالغ المحصلة ستنفق على أصحاب المصانع المحلية؟ بالتأكيد لا، إذاً القصة جباية وليست حماية"، مشيرًا إلى أن تلك الرسوم التي تحصلها الحكومة في غزة غير قانونية، ولا تهدف إلا لفرض المزيد من الأعباء على التجار والمواطنين، حسبما قال.
واتفق الدكتور مازن العجلة الباحث الاقتصادي في مركز التخطيط الفلسطيني، مع سابقه في عدم قانونية الضرائب التي تفرضها وزارة الاقتصاد في غزة، قائلاً "الزيادات جاءت على ضريبة تسميها حكومة غزة إذن الاستيراد وهي التي كانت اسمها ضريبة التكافل، ثم تبدلت الأسماء، وهي ضرائب غير منصوص عليها في القانون الفلسطيني مطلقًا على عكس ضريبتي الدخل والقيمة المضافة".
وضريبة التكافل تم فرضها على السلع المستوردة من الخارج، من قبل كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي بداية عام 2015، قِيل في وقتها أنها مؤقتة ولعام واحد، لتوفير موازنة تشغيلية للحكومة بغزة بعدما أوقفت حكومة الوفاق الوطني دعمها للموازنة التشغيلية في ذلك الوقت، إلا أنه استمر العمل بها بمسمى جديد، حمل اسم "إذن استيراد".
وأشار العجلة في حديثه، إلى أن الزيادة على الضرائب، تشمل العديد من السلع المستوردة مثل الأجهزة الكهربائية، وليس تلك التي لها بديل وطني فقط، مثل الجينز والجلبابات، موضحًا أنّ البيئة الاقتصادية والاجتماعية في القطاع لا تحتمل أي ارتفاع في السلع سواء في الجبايات أو السلع الأخرى، والتي سترتفع بكل تأكيد بعد ارتفاع قيمة الجباية على التجار والتي ستنعكس على المواطنين بطبيعة الحال.
وطرح الباحث الاقتصادي تساؤلاً: "لماذا لا تدعم الجهات المختصة المنتج الوطني من خلال إلغاء أو تخفيض قيمة الجبايات على المواد الخام التي تلزم لصناعة المنتج الوطني وجميعها مستورة بالكامل؟، ولماذا لا تدعم المنتج الوطني بتوفير كهرباء دائمة بدون انقطاع وبأسعار معقولة؟".
وعلى النقيض، هناك من أشاد بقرار وزارة الاقتصاد، واعتبر أنه سيساهم في عودة مصانع الخياطة للعمل بعد انقطاع. محمد حمدان رئيس نقابة العاملين في النسيج والملابس والجلود والخياطة في قطاع غزة، قال "قرار تعديل رسوم استيراد بعض الأصناف والسلع الأخير، سيساهم بعودة 20 ألف عامل إلى مصانعهم تدريجيًا".
وقبل فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة قبل 15 عامًا، بلغت عدد مصانع الخياطة 900 مصنعاً يعمل على إنتاج أشكال متعددة من الملابس، وجميعها كانت تصدر إلى الخارج عن طريق شركات أزياء إسرائيلية، إلا أن عددهم انخفض اليوم إلى ما دون الـ 100 مصنع، ويقتصر عملهم على السوق المحلي فقط.
كما انخفض عدد العاملين في تلك المصانع نتيجة الحصار من 35 ألفا إلى أقل من 6 آلاف عامل خياطة، نتيجة تراجع الطلب، وهو ما يعني انخفاض نشاط تلك المصانع لأقل من 20% على مدار سنوات الحصار الإسرائيلي الماضية.
وتغطي مصانع الخياطة بغزة حاليًا، معظم الجلبابات الشرعية، وما بين 50-60 % من قطع الجينز، ونحو 70% من العباءات تصنع في غزة، وما بين 90-100 % من الزي المدرسي، بحسب رئيس نقابة العاملين في النسيج والملابس والجلود والخياطة.
وفي رأي حمدان، فأن استيراد كميات كبيرة من الملابس الجاهزة خلال السنوات الماضية، شكل نوعًا من المضاربة بين التجار حتى أنّ البعض منهم باع بأقل من سعر التكلفة بحثًا عن السيولة، إضافة إلى استيراد قطع ملابس زهيدة الثمن من الصين، وهو ما أثر على مصانع الخياطة المحلية وأدى إلى تراجع قدرتهم الإنتاجية، حسب وصفه.
من جانبها، أعلنت وزارة الاقتصاد الوطني بقطاع غزة، عن قرارها بعد انتشار صداه في أوساط المواطنين، مشيرة إلى أنّ قرارها الأخير حول رفع قيمة رسوم الاستيراد -على بعض الأصناف- جاء بالتوافق مع "لجنة دعم المنتج المحلي التي تضم وزارة الاقتصاد والغرف التجارية والاتحاد العام للصناعات الفلسطينية".
واستخدمت الوزارة في بيانها وصف تعديل الرسوم وليس رفع أو ارتفاع، قائلة "إن المنتجات والسلع التي تم تعديل الرسوم عليها لها بديل محلي ويتم إنتاجه في المصانع داخل قطاع غزة"، مشيدة بقدرات المصانع المحلية وجودة منتجاتها.
الدكتور أسامة نوفل مدير عام السياسات في وزارة الاقتصاد بغزة، قال إن المنتجات التي يشملها القرار تتمثل ببعض المنتجات الغذائية البسيطة، وبعض أنواع من الملابس مثل الجينز والزي المدرسي، والبلاستيك التي يتوفر لها بدائل في المنتج المحلي، أما الصناعات والأجهزة الكهربائية والطبية لا يشملها القرار كون القطاع لا ينتج تلك السلع والأدوات.
وأكد على أن القرار سيبدأ تطبيقه في الأول من أغسطس القادم، ولا يشمل القرار ذات السلع التي تم استيرادها قبل التاريخ المحدد، مضيفًا "سنراقب السوق حتى لا نترك مجال للمحتكرين برفع الأسعار على ما تم استيراده قبل التاريخ المحدد في القرار".
ورفض نوفل وصف قرار وزارة الاقتصاد بالغير قانوني، قائلاً "هذه ليست ضريبة، بل رسوم إذن استيراد ومنصوص عليها ضمن قانون حماية المنتج المحلي لعام 1998، ونظام حماية الإنتاج المحلي رقم 55 لسنة 2000، وهو قانون معمول به ومعتمد من المجلس التشريعي".
وأوضح أنه وبحسب القانون المذكور، يحق للاقتصاد اتخاذ التدابير اللازمة لدعم المنتج المحلي من خلال فرض رسوم مالية، يفرضها مجلس الوزراء، وهو ما اتبعته الوزارة في اتخاذ قرارها الأخير، بحسب قوله.