ليس من السهل على السيدة آمال رشدي (33 عاماً) أن تقرر شراء ملابس جديدة لأطفالها الخمسة بمناسبة عيد الأضحى. القرار بحد ذاته ليس بحاجة إلى جرأة وإنما إلى مال كاف، وهو ما لا يتوفر لدى أسرة لا تملك أي مصدر للدخل.
واعتادت آمال وهي ربة منزل ومتزوجة من رجل عطل عن العمل، على اقتناء ملابس من أسواق البالة، غير أنها لم تتمكن من فعل ذلك هذا العيد بسبب "ارتفاع ثمن أسعار ملابس البالة بما يوازي أسعار الملابس الجديدة، في السوق المحلية"، حسبما تقول.
وتحصلت هذه السيدة على مبلغ مالي قدره 350 شيكلاً (ما يعادل 100 دولار) قبل يومين، بصفتها واحدة من مستفيدي شيكات الشؤون الاجتماعية، والتي قدمتها وزارة التنمية برام الله لنحو 80 ألف أسرة من قطاع غزة، بعد انقطاع عن الصرف دام عشرين شهراً.
وعقدت آمال وغيرها المئات من المستفيدين آمالاً عريضة على صرف المساعدات الحكومية، غير أن قيمة ما حصلت عليه يوازي 65% فقط من قيمة الدفعة الواجب صرفها.
وقالت: "لقد تراكمت علينا الديون بشكل كبير، نظراً لأننا كنا نعتمد في سدادها على شيك الشؤون، لكن توقف صرفه طيلة هذه المدة جعلنا عاجزين عن سدادها، وبالتالي تبدلت أولوياتنا، حيث أن السداد أولى بالنسبة لي من شراء ملابس العيد، على الرغم من الألم الذي قد يعتصرني إذا لم يشارك أطفالي أقرانهم فرحة العيد بملابس جديدة".
وأضافت آمال: "في جميع الأحوال نحن كأمهات نحاول إيجاد بدائل قدر الإمكان، لذلك قررت شراء قطعة ملابس واحدة على الأقل لكل واحد من أطفالي، وتأجيل دفع ثمنها إلى حين الحصول على عيدية، أما الأحذية فسنكتفِ برتقها".
ورغم أنه لم يتبقى سوى يوماً واحداً حتى تعلو تكبيرات العيد، إلا أن محمود سليم (42 عاماً)، لم يتجاوز بعد تحدي اقتناء ملابس العيد لأبنائه الستة، والذي يبلغ أكبرهم 17 عاماً. يعمل سليم موظفاً حكومياً ويتلقى نصف راتب وقد تجاوز سقف الدين المتراكم عليه 7 آلاف شيكل (أي ما يعادل 2000 دولار)، وهو مهدد بالسجن.
وأشار سليم الذي يغطي الشيب رأسه، إلى أن خيارات الموظفين الحكوميين دائما محدودة في التعامل مع ما اسماه "أزمات" الأعياد والمناسبات، والتي تتراكم فيها الاحتياجات وتتزايد النفقات، مبيناً أنه يظل دائما واقعاً تحت تأثير العجز عن سداد الديون والحاجة لتغطية الاحتياجات الضرورية.
وقال الرجل، إنه دفع بأبنه البكر للعمل في ورشة للبناء خلال الإجازة الصيفية التي انقضى نصفها تقريباً، بأجر يومي زهيد، من أجل المساعدة في توفير اللوازم الضرورية للأسرة القاطنة غرب مدينة غزة، مشيرا إلى احتمال أن يتوقف ابنه عن إكمال دراسته الثانوية بفعل تحديدات الفقر التي تواجهها الأسرة.
وبين سليم، أن ملحقات العيد متعددة، "فهي لا تقتصر على الملابس فقط، وإنما شراء الحلوى والتسوق والعيدية، ناهيك عن أننا سنكون خلال بعد شهر من الآن أمام تحدي بدء العام الدراسي الجديد واحتياجات توفير كسوة المدرسة والقرطاسية والمصروف اليومي والمواصلات وغيرها" كما قال.
ومع ذلك، إلا أن سليم لا يزال يفكر في التوجه إلى طلب الاستدانة من شقيقه من أجل توفير حلوى العيد، قائلا: "العيد يأتي مرتين في العام فقط، لذلك علينا إدخال البهجة إلى أبنائنا بأي شكل كان، حتى لو كان بالدين، فذلك هو خيارنا الوحيد".
وتشهد المحلات التجارية في قطاع غزة نشاطاً فاتراً، على عكس الصورة التي يبرزها الازدحام الشديد في الأسواق المحلية، وفقاً لما يقوله أصحاب متاجر.
وقال أحمد جبر وهو مالك محل أحذية وسط مدينة غزة، "هذا المشهد خادع ومخالف تماماً للواقع، صحيح أن هناك حركة نشطة في السوق، لكن الكثير من الزبائن يطلبون الشراء بالدين".
وبالمناسبة، فقد أدى التدهور الاقتصادي الناتج عن الحصار للعام الـ 15 على التوالي، لابتكار أشكال جديدة منن أجل تحفيز المواطنين الراغبين بالمشاركة في الأضاحي، من خلال إتاحة شرائها بالتقسيط، أو التشارك بنظام الحصص في رأس العجل الواحد بين سبعة أشخاص. ومع ذلك، فإن حركة الاقبال على الأضاحي لا تزال متذبذبة في أسواق المواشي التي فتحت أبوابها منذ نحو شهر تقريباً استعداداً لعيد الأضحى.