يضطر السكان المجاورون لمستشفى "القدس" في حي تل الهوا جنوب مدينة غزة، للإبقاء على نوافذهم مغلقة رغم ارتفاع درجة حرارة الطقس، دون القدرة على تلبية الحاجة الضرورية لتجديد الهواء داخل شققهم السكنية، بسبب الضجيج والدخان الصادر عن عوادم مولدات الطاقة الخاصة بالمستشفى والتي تعمل على مدار الساعة لتعويض العجز من التيار الكهربائي.
وتؤثر هذه المولدات سلباً على حياة السكان هناك خاصة في المباني الملاصقة للمستشفى، مثل أبراج جبل الزيتون (1،2،3)، وبرج بيت المقدس والعديد من المنازل المجاورة، التي يعيش فيها عشرات العائلات من بينهم كبار سن وأطفال ومرضى وحوامل، وجميعها شرائح سريعة التأثر بالتلوث الناجم عن هذه المولدات.
تتخوف ناهد إسماعيل أحد سكان "برج الزيتون 2" المجاور للمستشفى، وهي حامل بطفلها الرابع، على حياة جنينها أو أن تصيبه التشوهات الخلقية نتيجة استنشاق الهواء الممزوج بعوادم مولدات المستشفى بشكلٍ مستمر.
قالت إسماعيل لـ آخر قصة: "الحياة هنا مريرة. هذه المولدات تجعل هواءنا ملوثاً، كما لا يستطيع أطفالي النوم بسبب الضجيج الذي يصدر عن هذه المولدات، أحيانا نضطر مجبورين لإغلاق النوافذ رغم حاجتنا لبعض نسمات الهواء لنحظى ببعض البرودة في ظل هذا الصيف الحار".
أيضاً جارها هاني درويش والذي يسكن في برج "بيت المقدس" المجاور للمستشفى، يخشى على حياة طفله البالغ من العمر 6 سنوات والمصاب بالربو.
وقال درويش لـ آخر قصة: "يعاني طفلي رشاد بشدة جراء استنشاقه هواءً ملوثاً بعوادم مولدات المستشفى، أحياناً يتطلب مني الأمر إعطاءه ثلاث جرعات عبر جهاز الاستنشاق الطبي في اليوم الواحد، بسبب شدة التلوث الهوائي هنا، رغم أن الوضع الاعتيادي هو جرعة واحدة فقط يومياً".
امتعاض الغالبية العظمى من السكان المحيطين بالمشفى، دفعهم لعقد اجتماعات مكثفة وتقرر بموجبها إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان: مولدات مستشفى القدس، لتشكل ضغطاً على المستشفى والجهات المختصة، من أجل إيجاد حل بديل عن هذه المولدات المسببة للأمراض والإزعاج الدائم للأسر.
وقال المتحدث باسم السكان المتضررين مازن أبو شهلا لـ آخر قصة: "معاناتنا مستمرة منذ 15 عاماً، طرقنا أبواب جميع الجهات المختصة مثل بلدية غزة وسلطة المياه وجودة البيئة لكن دون حلول". وأضاف أبو شهلا: "نقدر جهد المستشفى في خدمة المرضى، لكن يجب عدم إيجاد حلول لهذه المشكلة على حساب حياة وصحة السكان المجاورين".
وتمتلك مستشفى القدس، ثلاثة مولدات طاقة، جميعهم في المنطقة الخلفية للمستشفى، والمقابلة لتجمع العمارات السكنية، يتضح من خلال معاينة الجدران الخرسانية المحيطة بالمولدات، حجم الأدخنة الملوثة و المتصاعدة منذ سنوات، والتي صبغت الجدران باللون الأسود، بالإضافة إلى الضجيج الذي تحدثه.
على ضوء هذه الأزمة، قامت كل من سلطة المياه وجودة البيئة، بعمل زيارة ميدانية لقياس حجم الضوضاء المنبعثة من المولدات، لتكتشف أنها وصلت إلى "80 ديسبل" وهو مستوى مرتفع من الضجيج الذي لا يمكن تحمله" حسبما قال المتحدث باسم السكان المتضررين.
في واقع الأمر، لم تحدث الزيارة الميدانية أية نتائج على الأرض، الأمر الذي دفع سامر ترزي وهو أحد السكان المتضررين إلى نشر صور للمولدات والكتابة على فيسبوك: "عدة مرات تمت المناشدة ومخاطبة الجهات الرسمية.. لدينا مرضى.. مرضى سرطان.. كبار سن وأطفال.. أترك لكم الصورة تعبر عن مدى الضوضاء والدخان المنبعث".
في يناير 2021، صدر قرار عن وكيل وزارة الحكم المحلي بشأن شكاوى المواطنين على المولدات الكهربائية يهدف لتوزيع مسؤولية هذه المولدات وتأثيرها على حياة المواطنين على عدة جهات رسمية، بحيث تتولى بلدية غزة مسؤولية الإجراءات التنظيمية فقط، ويتولى جهاز الدفاع المدني مسؤولية إجراءات السلامة الوقاية وكميات السولار الموجودة بالقرب من الأماكن السكنية، وتتولى سلطة المياه وجودة البيئة مسؤولية التلوث البيئي (هوائي- ضوضائي، إلخ) الناجم عن المولدات.
قمنا بمساءلة بلدية غزة، حول مآلات الشكاوى التي تلقتها، فقال أحمد أبو عبدو مدير دائرة الصحة والبيئة في البلدية: "مسؤوليتنا فيما يتعلق بالمولدات هي مسألة تنظيمية فقط، ليس لنا علاقة بتأثيرها البيئي على السكان لذلك ليس لدينا القدرة التنفيذية على إزالتها". مضيفاً "ولكن تعاملنا بإيجابية مع الشكوى، وأرسلنا توصيات إلى الدفاع المدني وسلطة المياه وجودة البيئة بضرورة العمل على حل المشكلة بما يضمن توفير بديل للمستشفى".
ويعتقد أبو عبدو أنّ سبب تردد الجهات المختصة في التعامل مع توصيات البلدية، كون المستشفى تخدم آلاف المرضى سنوياً، وهو ما أشار له الدكتور محمد المغير مدير إدارة الأمن والسلامة في الدفاع المدني الذي رفض التصريح لمعدة التقرير، قائلاً "الأمر حساس. نتحدث عن مولدات تخدم مستشفى يُقدم خدماته الطبية لمرضى القطاع. نعتذر عن الإدلاء بأي تصريحات صحفية بالخصوص".
من جانبه، طالب مدير عام الحماية في سلطة جودة البيئة بهاء الأغا من السكان المتضررين تقديم شكوى جديدة، كون السابقة مر عليها سبعة أعوام، قائلاً "بموجب شكوى تقدم بها السكان عام 2015 قمنا بإجراء فحص كشف عن كمية تلوث كبيرة، وبسبب قِدم الشكوى، يلزم تجديدها من قبل السكان لعمل زيارة جديدة".
وأوضح الأغا، أنه في حال كانت نتائج الفحوصات الجديدة كما كانت عليه في السابق أو أسوأ، "يمكن تحويل القضية إلى النيابة العامة، والتي لن تتهاون في مثل هكذا مشكلات"، بحسب قوله.
وينص قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999، في مادته الخامسة أنه من "حق كل إنسان بالعيش في بيئة سليمة ونظيفة والتمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة العامة والرفاه".
وحول مبررات بعض الجهات الرسمية، وتعارضها مع القانون، يقول الخبير القانوني صلاح عبد العاطي لـ آخر قصة "حتى لو كان الحديث يدور عن مولد كهربائي يخص تشغيل مستشفى عام، فهذا لا يمنح الحق للمستشفى بإلحاق الضرر بجيرانها من السكان، ولا يمكن اتباع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة".
استطلعت "آخر قصة" رأي الدكتور بشار مراد المدير التنفيذي لجمعية الهلال الأحمر والتي تتبع لها مستشفى القدس، حول الأزمة التي خلقتها المولدات الكهربائية، والذي عبر في البداية عن تفهمه لمشكلة وشكاوى السكان "تعاطينا إيجاباً مع شكاوى المواطنين المجاورين للمستشفى، وقمنا بتزويد المولدات بكواتم للصوت، ورغم ذلك المولدات نوعا ما بقيت تصدر ضجيجاً".
وقال مراد "تعاملنا مع مطالب السكان عبر اتجاهين نعمل عليهما حالياً، الأول يتمثل بتقديم طلب لشركة توزيع الكهرباء من أجل الحصول على خط 24 ساعة، ومؤخراً حصلنا على موافقة وجاري العمل على تركيبه للمستشفى في غضون أشهر قليلة، وعندها سيتم الاستغناء تماماً عن هذه المولدات".
أما الاتجاه الثاني -بحسب مراد- فيتمثل بمساعي المستشفى تركيب وحدات طاقة شمسية كبديل ثانٍ في حال أصاب خط كهرباء الـ 24 أي خلل، وبما يضمن التخلص من مولدات الطاقة المسببة للإزعاج والتلوث للسكان المجاورين.
من ناحيته، أكد محمد ثابت مدير دائرة العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، أن تمديد خط كهرباء الـ 24 ساعة لمستشفى القدس في طريقه للتنفيذ في غضون أسابيع قليلة، بعدما أنهت إدارة المستشفى كافة الالتزامات المطلوبة منها.
وبيّن ثابت أن هذا الخط الكهربائي المتصل بالتيار على مدار الساعة، تمنحه الشركة للمؤسسات التي تقدم خدمات للمواطنين على مدار الساعة بعد إيفاء الالتزامات المطلوبة مثل الالتزامات المالية.