عائمون في المسبح: جلسات علاج مستحدثة للمرضى والمصابين في غزة

عائمون في المسبح: جلسات علاج مستحدثة للمرضى والمصابين في غزة

في أواخر مارس 2021، كان الشاب عوض زيادة (33 عاماً) يعمل على حفر خط مياه بعمق متر تقريباً باستخدام آلات يدوية أسفل بناية حديثة الإنشاء بمدينة غزة، وبينما هو كذلك انهال درج خرساني على جسده، ما أدى إلى كسور في الحوض والعمود الفقري، متسببًا بإصابته بشلل في أطرافه السفلى. 

الشاب عوض الذي كان يعمل سباكاً، متزوج ولديه طفلين، خضع للعديد من العمليات خلال أسبوعين من تاريخ الإصابة، إلا أنّ الأطباء أخبروا أسرته بأنه لن يتعافى من شلل أصاب نصفه السفلي. 

خرج من المستشفى على سرير في حينه، وقال لـ آخر قصة "لم أكن أستطيع تحريك جسدي وأطرافي، فقط رأسي ما كنت أتمكن من تحريكه يمينًا ويسارًا، وأصبحت طريح الفراش". 

لم يعد بإمكان زيادة ممارسة أي مهام، ويحتاج إلى مساعدة أشخاص آخرين من نفس العائلة، لمساعدته على قضاء حاجته، وهي أكثر الأمور الأساسية الملحة التي أثرت على صحته النفسية، فكيف لشاب في مقتبل العمر، وبعدما كان يصول ويجول أن يصبح قعيدًا.

بعد فترة من الوقت أصبح زيادة بحاجة إلى كرسي متحرك لمساعدته على التنقل، لبدء مشوار جديد من العلاج، حيث يخضع الآن لعلاج في قسم التأهيل بمستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية. بإقامة مستمرة لمدة ثلاثة أشهر، حيث يعمل الأطباء على تقديم جلسات العلاج الطبيعي لأطرافه السفلية. 

يقول "كان هناك نوع من الاستجابة للعلاج، لكنها بطيئة نوعًا ما بسبب عمق الإصابة، وكان لديّ أمل بالتحسن"، قضى تلك الفترة ما بين الأمل في بعض الأوقات، واليأس في أوقات أخرى لعدم استجابة جسده الكبيرة للعلاج، حتى تم افتتاح قسم العلاج المائي لأول مرة في قطاع غزة بالمستشفى الممول من صندوق قطر للتنمية. 

وفي إطار تطوير قسم التأهيل بمستشفى حمد، وبعد تدريبات مكثفة ومتخصصة خضع لها الكوادر الطبية، افتتحت المستشفى قسم العلاج المائي حديثًا، والذي يعمل على استخدام الماء كوسيلة علاجية لمتابعة حالات المرضى، سواء مرضى الأعصاب والعظام والعضلات وحتى مرضى الجهاز التنفسي والقلب.

الدكتور محمد مرتجى أخصائي العلاج الطبيعي ومسؤول وحدة العلاج المائي في المستشفى، قال لـ آخر قصة "بسبب طول فترة مكوث المرضى في المستشفى، واجهنا بعض التحديات، حيث وضعنا خطة لإنشاء وحدة العلاج المائي، وعملنا على تنفيذها"، مضيفًا أنّ فترة مكوث المريض كانت تتجاوز الـ 3 أشهر، بينما مع العلاج المائي تقلصت المدة لشهر أو شهران بعدما أثبت العلاج فعاليته بشكل أسرع مع العديد من الحالات المرضية.

وبعودة إلى زيادة، والذي مازال يواظب على حضور كافة جلسات العلاج المائي، قال: "خلال فترة العلاج الطبيعي كان التحسن بسيطا، لكن بعدما بدأت جلسات العلاج المائي أصبحت أتمكن من ممارسة التمارين بشكل أكبر، الماء أعطاني مساحة أكبر للحركة وقوة وإرادة لمتابعة الجلسات". 

بعد عدة جلسات في الماء، تمكنّ الشاب من التخلي عن كرسيه المتحرك، وأصبح يمشي باستخدام عكازين، كما استغنى عن مساعدة الآخرين في قضاء غالبية حوائجه، وهو ما منحه دفعة أمل لمتابعة العلاج حتى يستعيد صحته وعزيمته، كما قال.

يوضح الأخصائي مرتجى أنّ للماء خواص أساسية تساعد المرضى على ممارسة التمارين، منها خاصية الطفو واللزوجة وخاصية ضغط الماء، وهو ما يعمل على تخفيف وزن جسم المريض أثناء فترة الجلسة العلاجية داخل الماء، الأمر الذي يساعده على الاستجابة والتعافي بشكل أسرع.

وينوه إلى أن بعض الحالات المرضية لا يمكنها الخضوع للعلاج المائي، كونها تعاني من أحد المحاذير الطبية التي تحول دون ذلك، منها من يعاني من تشنجات أو خلل في الإحساس وبعض المشاكل التي تتعلق بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، "هؤلاء لا يتم إخضاعها للعلاج المائي للمحافظة على حياتهم وحياة المرضى الآخرين" حسبما قال.

الشاب زيادة، واحد من عشرات المرضى الذين يخضعون للعلاج المائي الآن داخل المشفى المتخصص الأكثر تطوراً في غزة، بينهم نساء وأطفال. 

الطفل ناصر الطبطيبي (13 عامًا)، يعاني منذ ولادته من تشوهات في العمود الفقري، ما تسبب ببروز انحناء في الظهر، بالإضافة إلى قصر القامة ونحافة الجسم.  

مع مرور سنواته الأولى وتعاظم المشكلة، دخل الطفل ناصر في رحلة علاجية مقصدها تعديل عاموده الفقري، غير أن الحصار الذي يعانيه قطاع غزة والذي تسبب في تضخم مستوى الفقر و حد من توفير الكثير من الاحتياجات من بينها الطبية، أعاق حصول الطفل على جهاز طبي يقوم انحناءه.

كبر الطفل ناصر، وانخرط الآن في برنامج العلاج المائي رفقة أطفال آخرين، والأمل يحدوه بأن يحصل على جسده معافى بعد انقضاء فترة العلاج.