في كل صباح أُخرج ماكينتي الآلية والتي يحدها من الطرفان قرصان خشنان، وقد ورثتها عن أبي الذي كان يعمل في هذا المحل الواقع في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة. أباشر عملي بعد شرب القهوة، في سن السكاكين وأدوات ذبح المواشي حتى أخرجها من بأفضل حال وأرى لمعانها وبريقها من بعيد.
اسمي خميس الفيري وأبلغ من العمر 62 عاماً، وأعمل في هذه المحددة وسن السكاكين منذ أن كُنت طفلاً صغيرًا مع أبي وجدي.
عندما أنتهي من تجهيز أدوات الذبح لأحد الزبائن، أكون في قمة سعادتي وقت تسليمها، يرون لمعانها الحاد وكأنها صُنعت حديثاً، حتى أنّ بعضهم يمنحني أجراً إضافياً عما أطلبه تعبيراً عن إعجابهم بعملي وإتقانه.
أحصل على 3 شواكل مقابل كل قطعة حادة، أقوم بسنها، في الوقت الذي تحتاجه هذه المهنة للكهرباء والغاز مرتفع الثمن.
خلال أشهر السنة يكون العمل لدينا ضعيفاً، لكننا وفي كل عام ننتظر موسم عيد الأضحى أنا وأفراد عائلتي بفارغ الصبر، ففي العشر الأوائل من ذي الحجة وقبيل العيد نبدأ باستقبال المضحين الذين يحتاجون لسن أدوات ومعدات الذبح اللازمة وتحضيرها للأضحيات.
توارثنا أنا وأبناء عمومتي وكل من يعمل في المحل هذه المهنة أباً عن جد، تعلمناها جميعاً منذ الصغر، ومستمرون بها للحفاظ عليها من الاندثار، وأنا الآن أعمل على توريث المهنة لمن بعدي لأنها مهنة قديمة وجزء من تراثنا، وجب علينا أن نحميها من الاندثار كما بعض المهن التي اندثرت بفعل الحداثة، محلنا اليوم تجاوز عمره الـ 80 عامًا أي أكبر من عمري.
قد يستغرب البعض من استمرارنا في هذه المهنة، في ظل انتشار الأدوات التجارية المنتشرة في الأسواق، لكن ما لا يعرفه البعض، أنّ ما ما هو مصنوع يدوياً خاصة أدوات الحدادة الحادة والثقيلة، هي أكثر جودة وقوة، ومصنوعة من معادن صلبة قادرة على الصمود لعقود وليس أعوام، على عكس الأدوات التجارية.
لذلك يأتي بعض من أصحاب الأضاحي بسكاكين وأدوات صنعتها لهم منذ عشرات السنوات ليعيدوا سنّها مرة أخرى، لتعود كأنها جديدة، وتقوم بعملها -الذبح- بكل سهولة دون تعذيب الأضحية.
بسبب الازدحام في موسم الأضاحي، نحتاج للعديد من الأيدي العاملة، على الرغم من دخلنا المحدود طول العام، وخطورة العمل في الأدوات الحادة والماكينات الخاصة بسنّها، وهو ما يفرض علينا الحذر الشديد أثناء مراحل العمل تجنباً لأي إصابة للعمال.
وتتأثر مهنتنا بالأوضاع الاقتصادية كثيراً كما جميع المِهن، وعندما تقل نسبة الأضاحي وعدد المضحين يتناقص الزبائن، وهذا الموسم لا يبدو مبشراً كما كل عام ولكن تبقى بعض الأيام قبل عيد الأضحى ونأمل أن تتحسن الأوضاع.